بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا(
[النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد:
فقد ألف كثير من أهل العلم العديد من المؤلفات التي تبني على حديث واحد، فاستخرجوا فوائده، وذلك لما اشتملت عليه هذه الأحاديث من الكنوز والفوائد، وقد شغفني فترة من الزمان جمع فوائد حديث حبر الأمة، وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ابن عم رسول الله (، في قصة مبيته في بيت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية، وهي خالة عبد الله بن عباس، فكلما قرأت الحديث وجدت فيه من الفوائد غير ما مر منها، فعزمت على أن أجمع فوائد هذا الحديث من تراجم الأئمة ومن شروح كتب السنة، وأضفت إليها بعقلي المحدود ما رأيت أنه فائدة. وحتى يتم المقصود فقد استدللت على فوائد الحديث بما يشهد له في بعض المواضع، ولم أستقص كل طرق الحديث، بل جمعت من الطرق ما فيه الفوائد فقط؛ وقد تركت بعض الطرق في الصحيح لأن فوائدها مكررة، ولا أنكر أن بعض الطرق التي جمعتها فيها نكارة وضعف؛ ومع ذلك فقد استخرجت الفوائد من هذا النوع، إذا كان له شاهد من غيره من الكتاب أو السنة، وأيضًا: فإني لا أذكر الإسناد من أوله، بل أذكر من روى عن الراوي، الذي هو مدار الحديث، وذلك لاختلاف الألفاظ، فيعرف القارئ الزيادة في رواية راو والنقص في رواية آخر، مثل: رواية مخرمة عن كريب، عن ابن عباس رضي الله عنهما، فأذكر من رواه عن مخرمة فأترجم له ترجمة في غاية الاختصار، وهكذا إلى باقي روايات الحديث، وكل ما جمعته من الفوائد في هذا الحديث فوائد فقهية، وإلا لو جمعت الفوائد اللغوية وغيرها لطال بنا المقام.
والله أسأل أن يخرج هذا البحث نافعًا للناس، خالصًا من الإلباس، مجانبًا للالتباس، وأن يكتب لنا به الأجر يوم النشر. إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
* ترجمة مختصرة لحبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما *
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم ابن عم رسول الله (، ولد بشعب بني هاشم وكان ذلك قبل الهجرة بثلاث سنين، وكان يلقب بعد النبي ( بحبر الأمة وهو حقًا حبر بحر، وعلى الرغم من صغر سنه يوم وفاة النبي (، إلا أنه نقل علمًا غزيرًا، وقد دعا له النبي (؛ وذلك في الصحاح، والمسانيد، والسنن، وغيرها؛ ففي البخاري: أن ابن عباس رضي الله عنهما وضع للنبي ( وضوءًا، فلما قضى حاجته وجد الوضوء، فقال: (من وضع هذا؟) فلما أخبر أنه ابن عباس قال (اللهم فقهه في الدين)().
وكذلك ثبت عنه ( أنه قال: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)().
وروي مرفوعًا من حديث ابن عمر (حبر هذه الأمة ابن عباس)().
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: انتهيت إلى النبي ( وعنده جبريل ( فقال له جبريل: إنه كائن هذا حبر الأمة فاستوص به خيرًا. قال الذهبي في سير أعلام النبلاء : حديث منكر تفرد به سعدان بن جعفر عن عبد المؤمن().
وكان ابن عباس رضي الله عنهما بعد وفاة النبي ( حريصًا على العلم، فعن جرير بن حازم، عن يعلي بن حكيم، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما توفي رسول الله ( قلت لرجل من الأنصار: هلم نسأل أصحاب رسول الله ( فإنهم اليوم كثير، فال: واعجبًا لك يا ابن عباس! أترى الناس يحتاجون إليك وفي الناس من أصحاب النبي ( من ترى؟! فترك ذلك، وأقبلت على المسألة، فإنه كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتيه وهو قائل، فأتوسد ردائي على بابه فتسفي الريح عليّ التراب، فيخرج فيراني فيقول: يا ابن عم رسول الله ( ألا أرسلت إلي فآتيك؟ فأقول: أنا أحق أن آتيك فأسألك. قال: فبقي الرجل حتى رآني وقد اجتمع الناس عليّ فقال: هذا الفتي أعقل مني»().
فهذا الأثر يدل على أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يتحمل مسؤولية دعوة النبي (؛ فقام بها ( حق القيام، وثناء العلماء على علم ابن عباس رضي الله عنهما يطول به الكلام، ولكن فيما ذكرت من فضله كفاية. إذ المقصود هو التعريف به، لا استقصاء سيرته، ومن أراد الاستقصاء، فعليه بكتب التواريخ وغيرها، فإن فيها ريًا للظمآن، وشبعًا للجوعان، فاللهم ارض عنه وعن باقي الصحابة الكرام وصل وسلم على معلم البشرية وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا.
***
* روايات الحديث في الصحيح وغيره *
[رواية مالك عن مخرمة بن سليمان عن كريب مولى ابن عباس] عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه بات ليلة عند ميمونة أم المؤمنين – وهي خالته – قال: «فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله ( وأهله في طولها، فنام رسول الله ( حتى انتصف الليل أو قبله بقليل، أو بعده بقليل، استيقظ رسول الله ( فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه، ثم قام فصلى. قال ابن عباس: فقمت فصنعت مثل ما صنع رسول الله (، ثم ذهبت فقمت إلى جنبه، فوضع رسول الله ( يده اليمني على رأسي وأخذ بإذني اليمني يفتلها، فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر، ثم اضطجع حتى جاء المؤذن، فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فصلى الصبح»().
رجال هذه الرواية:
[مالك] هو الإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر، وبعض العامة يظن أن هناك قرابة بينه وبين أنس بن مالك الصحابي، وليس بصحيح. والإمام مالك أحد أعلام الإسلام، وإمام دار الهجرة، أخرج له أصحاب الصحاح والمسانيد والسنن، واتفق الأئمة على توثيقه، ومما ورد في فضله وثناء أهل العلم عليه – من غير استقصاء – ما روي عن أبي هريرة ( مرفوعًا: «يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم، فلا يجدون أحدًا أعلم من عالم المدينة»(). قال بن عيينة: هو مالك، وكذا قال عبد الرزاق.
عن مالك قال: «قدم علينا الزهري فحدثنا نيفا وأربعين حديثا، فقال له ربيعة: ها هنا من يرد عليك ما حدثت به أمس، قال: ومن هو؟ قال: ابن أبي عامر، قال: هات، فحدثته منها بأربعين، فقال: ما كنت أقول أنه بقي أحد يحفظ هذا غيري».
وقال عمرو بن علي عن ابن مهدي: «حدثنا مالك وهو أثبت من عبيد الله بن عمر، وموسى بن عقبة، وإسماعيل بن أمية.
وقال الحارث بن مسكين، سمعت بعض المحدثين يقول: قد قرأ علينا وكيع فجعل يقول حدثني الثبت حدثني الثبت، فقلنا: من هو؟ قال: مالك».
وعن مصعب الزبيري قال: إني أحفظ الناس لموت مالك، مات في صفر سنة تسع وسبعين ومائة. ومالك كان ثقة مأمونًا ثبتًا ورعًا فقيهًا عالمًا حجةً. قال: وقال إسماعيل بن أبي أويس: توفي صبيحة أربع عشرة من شهر ربيع الأول سنة تسع وسبعين، وكان ابن خمس وثمانين سنة، وقال الواقدي كان ابن تسعين سنة».
مخرمة بن سليمان الوالبي المدني:
وهو من ثقات التابعين. قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وذكره بن حبان في الثقات. قال الواقدي: قتلته الحرورية بقديد سنة ثلاثين ومائة وهو ابن سبعين سنة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وفيه وفي غيره قالت امرأة:
ما للزمان وما ليه
أفنت قديد رجاليه ()
كريب مولى ابن عباس:
هو كريب بن أبي مسلم أبو رشدين. أخرج له الجماعة، وهو أشهر من روى حديث القيام عن ابن عباس رضي الله عنهما.
عن موسى بن عقبة، وضع عندنا كريب حمل بعير من كتب ابن عباس. قال الواقدي وآخرون: مات بالمدينة سنة ثمان وتسعين في آخر خلافة سليمان بن عبد الملك().
***
* فوائد رواية مخرمة عن كريب عن ابن عباس *
الفائدة الأولى: جواز نوم الصبي عند محارمه مثل خالته وعمته. قال الحافظ في الفتح ما معناه، قال: ولو كان زوجها عندها، وذلك صحيح لأن النبي ( كان في هذه الليلة في بيت ميمومة أم المؤمنين رضي الله عنها، وأخذ ذلك من قول ابن عباس رضي الله عنهما «بت عند ميمونة أم المؤمنين» وهي خالته().
الفائدة الثانية: جواز نوم الصبي المميز على فراش محرمه مع زوجها مأخوذ من قوله: «فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله ( وأهله في طولها»().
ومعنى «اضطجعت» أي نمت، وعرض الوسادة المشهور فيه فتح العين وقيل بالضم. والوسادة هي المخدة، وقيل هي الفراش، وضعفه النووي في شرح مسلم، كذا السيوطي في حاشية النسائي.
الفائدة الثالثة: من هذه العبارة أيضا مراعاة تقدير الكبير أو من له الفضل في الألفاظ، حيث قدم ابن عباس رضي الله عنهما رسول الله ( في اللفظ حيث قال: «واضطجع رسول الله ( وأهله في طولها» ولم يقل واضطجعت خالتي وزوجها، أو ورسول الله (.
الفائدة الرابعة: حسن خلق النبي ( حيث سمح لابن عباس رضي الله عنهما بالاضطجاع معه على فراش أهله.
الفائدة الخامسة: استحباب قيام الليل لفعل النبي ( مأخوذ من قوله: «فنام رسول الله ( حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل ثم استيقظ رسول الله (».
بعض ما ورد في الترغيب في قيام الليل من الأحاديث الصحيحة:
عن زرارة بن أوفى عن عبد الله بن سلام قال: «لما قدم رسول الله ( المدينة، وانجفل الناس قبله، فقالوا: قدم رسول الله ( قال: فجئت في الناس لأنظر إلى وجهه، فلما أن رأيت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعت منه أن قال: (يا أيها الناس أطعموا الطعام ، وأفشوا السلام ، وصلوا الأرحام ، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام)().
وعن علي بن أبي طالب ( أن رسول الله ( طرقه وفاطمة بنت رسول الله ( ليلا فقال: (ألا تصليان) فقلت: يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع إلى شيئًا، ثم سمعته وهو مولي بضرب فخده ويقول: (وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا(() [الكهف: 54].
وعن ابن عمر قال: كان الرجل على عهد النبي ( إذا رأى رؤيا قصها على النبي ( قال: فتمنيت أن أرى رؤيا فأقصها على النبي (، وكنت غلامًا شابًا أعزب، فكنت أنام في المسجد، قال: فرأيت كأن ملكين أتياني، قال أحدهما للآخر: انطلق به إلى النار، قال: فجعلت أقول أعوذ بالله من النار، قال: فلقينا ملك آخر، قال، لم ترع، قال: فانطلقوا بي حتى وقفنا على النار، فإذا هي مطوية، وإذا لها قرنان كقرني البئر، قال: ورأيت فيها رجالا أعرفهم، قال: فما أصبحت غدوت على حفصة فقصصتها عليها فقصتها حفصة على رسول الله ( فقال: رسول الله (« نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل()» قال سالم: فكان لا ينام من الليل إلا قليلا.
وعن أبي هريرة ( أن رسول الله ( قال: « يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا نام ثلاث عقد ، كل عقدة يضرب مكانها عليك ليل طويل فارقد ، فإذا استيقظ فإن ذكر ربه انحلت عقدة ، فإن توضأ انحلت عقدة ، فإن صلى انحلت عقدة ، فأصبح نشيطًا طيب النفس ، وإن لم يفعل أصبح خبيث النفس كسلان»().
وعن أبي هريرة ( قال: قال رسول الله (: (رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء)().
وعن أبي أمامة الباهلي عن رسول الله ( قال: (عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهو قربة لكم إلى ربكم ومكفرة للسيئات ، منهاة عن الإثم)().
الفائدة السادسة: استحباب النوم بعد العشاء ليكون أسمح للاستيقاظ لصلاة الليل؛ مأخوذ من قوله: (فنام رسول الله ( حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، ثم استيقظ رسول الله ().
وقد كان النبي ( يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها، كما في حديث أبي برزة الأسلمي في الصحيح وغيره، ويستثنى من ذلك ما إذا كان السمر بعد العشاء لمنفعة عامة للمسلمين، أو لطلب علم، أو سمر مع الأهل. وورد عن السلف ذلك، وفيه حديث عمر بن الخطاب قال: «كان رسول الله ( يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمر المسلمين وأنا معهما». قال الترمذي: وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وأوس بن حذيفة وعمران بن حصين، قال أبو عيسى: حديث عمر حديث حسن ().
وأيضا لا يكون التهجد إلا بعد نوم الليل كما قال تعالى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ( [الإسراء: 79] وقال تعالى: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا( [المزمل: 6] وناشئة الليل على قول بعض أهل التفسير تكون بعد النوم في أول الليل والله أعلم.
الفائدة السابعة: استحباب ابتداء صلاة الليل قبل نصف الليل بقليل، أو بعده بقليل، لفعل النبي (، وهذه الرواية على الشك ، وسيأتي من جزم بإحدى الحالتين إن شاء الله، وإن قام في ثلث الليل الآخر فأفضل لحديث أبي هريرة في نزول الله تبارك وتعالى في ثلث الليل الآخر ولفظه:
عن أبي هريرة ( أن رسول الله ( قال: (ينزل ربنا عز وجل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين بقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له ومن يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له)().
سؤال؟
هل كان قيام الليل فرض على النبي (؟ الذي نجزم به أن قيام الليل مستحب في حق أمة النبي (، وقد كان مفروضًا ثم نسخ كما قال تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ( الآية [المزمل: 20]، وظاهر الآية يدل على أنه منسوخ أيضا في حق النبي ( لقوله تعالى: (فَتَابَ عَلَيْكُمْ( والخطاب للنبي ( وأمته.
وقد استدل بقوله تعالى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ( على أن القيام في حقه ( واجب، ولا يجب المصير إليه إلا إذا سلمنا أن هذه الآية ناسخة لآية المزمل ولا يمكن معرفة ذلك إلا بمعرفة التاريخ، ولا معرفة للتاريخ هنا، فكلتا الآيتين مكيتين والله أعلم، فالأصل أنه لا واجب إلا الصلوات الخمس، وبنحو ذلك ورد عن الإمام الشافعي في أحكام القرآن () قال: واحتمل قوله: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ( أن يتهجد بغير الذي فرض عليه مما تيسر منه فكان الواجب طلب الاستدلال بالسنة على أحد المعنيين، فوجدنا سنة رسول الله ( تدل على أن لا واجب من الصلاة إلا الخمس، فصرنا إلى أن الواجب الخمس، وأن ما سواها من واجب من صلاة قبلها منسوخ بها، استدلالاً بقول الله عز وجل (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ( فإنها ناسخة لقيام الليل ونصفه وثلثه وما تيسر، ولسنا نحب لأحد ترك التهجد بما يسره الله عليه من كتابه مصليًا به وكيفما أكثر فهو أحب إلينا. انتهى.
وفي المسألة نزاع، وكلام أطول من ذلك، والراجح ما رجحه الدليل ، والله تعالى أعلم.
الفائدة الثامنة: ما كان عليه النبي ( من الحفاظ على طاعة الله وقيام الليل، ففيه الرد علي من زعم جواز إسقاط الفرائض عن العباد فضلاً عن النوافل، وذلك إذا وصلوا إلى درجة اليقين وهو منقول عن غلاة المتصوفة، فهذا هو النبي ( يقوم حتى تتفطر قدماه، فيسأل عن ذلك فيقول:« أفلا أكون عبدًا شكورًا ». فقاتل الله أئمة الضلال الذين يصرفون الناس عن الطاعة بالباطل.
الفائدة التاسعة: فيه جواز مراقبة من يقتدى بهم في أفعالهم لتعلم أفعالهم الحسنة، لفعل ابن عباس رضي الله عنهما حيث أنه حكى ذلك والنبي ( لا يشعر به أنه مستيقظ.
الفائدة العاشرة: جواز تحمل العلم في الصغر : لأن ابن عباس رضي الله عنهما كان وقت ذاك صغيرًا لم يبلغ. والدليل على ذلك حكايته عن نفسه في حجة الوداع في حديثه المشهور في السترة حيث قال: أقبلت راكبًا على أتان ، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله ( يصلي بالناس بمنى، فمررت بين يدي الصف، فنزلت فأرسلت الأتان ترتع، ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك علي أحد. فعلم أنه وقت إذ لم يكن قد بلغ.
وقد أدى ابن عباس رضي الله عنهما هذا الحديث وبلغه، فلم يذكر عن أحد أنه رد حديثه لأنه لم يكن إذ ذاك بالغًا، وقد أخذ العلماء من هذا الحديث العلم الجم الغفير والله تعالى أعلم.
الفائدة الحادية عشرة: قوله فجعل يمسح النوم عن وجهه، قوله يمسح النوم أي يمسح بيده عينيه، من باب إطلاق اسم الحال على المحل، أو أثر النوم من باب إطلاق السبب على المسبب، ففيه جواز فعل ما يساعد الإنسان على الانتباه بعد الاستيقاظ من مسح الوجه وعرك العين وغير ذلك.
الفائدة الثانية عشرة: من قوله: «ثم قرأ العشر آيات الخواتيم من سورة آل عمران» فضيلة التفكر في خلق السموات والأرض، وأثر ذلك على الخشوع في الصلاة، وزيادة الإيمان، وهذه الآيات العشر من قوله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(
[آل عمران: 190، 191]، إلى آخر السورة.
الفائدة الثالثة عشرة: فضيلة هذه الآيات من آل عمران لقراءة النبي ( لها دون غيرها.
الفائدة الرابعة عشرة: جواز قراءة القرآن للمحدث لفعل النبي ( ولا تتأتى دعوى الخصوصية لأن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل، وما ورد من المنع من ذلك فصحيح غير صريح أو صريح غير صحيح، وليس هذا محل بسط ذلك، وفعل النبي ( دليل على جوازه والله تعالى أعلم.
الفائدة الخامسة عشرة: جواز قول سورة كذا، لقوله سورة آل عمران، خلافا لمن كره ذلك، وجعل الواجب أن يقال السورة التي يذكر فيها البقرة، والسورة التي يذكر فيها آل عمران، أفادها النووي رحمه الله في شرح مسلم ().
الفائدة السادسة عشرة: فيه إسباغ الوضوء من قوله: «ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها فأحسن الوضوء «الشن (القربة العتيقة)() والإحسان يقتضي الإسباغ وقد ورد مصرحًا به في بعض الروايات كما سيأتي إن شاء الله، وإسباغ الوضوء ورد فيه عدة أحاديث منها قوله (: ( فذكر أشياء منها : إسباغ الوضوء على المكاره)()، وحديث اختصام الملأ الأعلى وفيه (وأما الكفارات فإسباغ الوضوء على الكريهات) وغير ذلك من الأحاديث الصحاح والحسان والله تعالى أعلم.
الفائدة السابعة عشرة: استحباب صلاة الليل قائمًا مأخوذ من قوله: «ثم قام فصلى»، وهو الأغلب من فعل النبي ( حتى أسن فكان يقوم جالسًا، ومن المعلوم من الأحاديث الصحيحة أن صلاة الجالس نصف صلاة القائم، فينبغي لمن أتعب نفسه وجاهدها في قيام الليل أن لا يضيع من نفسه الأجر في صلاة الليل قائمًا إذا لم يكن من أصحاب الأعذار، أما في الفريضة فلا يصلي جالسًا إلا من عذر، والله تعالى أعلم.
الفائدة الثامنة عشرة: فيه قوة حفظ ابن عباس رضي الله عنهما لوضوء النبي ( وتوخيه فعل النبي ( حيث صنع مثل ما صنع رسول الله ( ولم يقل فتوضأت مأخوذ من قوله: «فقمت فصنعت مثل ما صنع رسول الله (»().
الفائدة التاسعة عشرة: فيه أن الواحد يقف بجوار الإمام جنبا إلى جنب دون تأخر عن الإمام كما يفعل كثير من الناس مأخوذ من قوله: «ثم ذهبت فقمت إلى جنبه».
الفائدة العشرون: أن الفعل اليسير لا ينقض الصلاة وذلك لأن النبي ( وضع يده على رأس ابن عباس وفتل أذنه، وفي الروايات الآتية أنه أداره ففيه فعل خارج الصلاة مأخوذ من قوله: «فوضع رسول الله ( يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى يفتلها».
الفائدة الحادية والعشرون: من نفس الجملة ملاطفة النبي ( للصغار () وفي الصحيح من حديث أنس ( قال: كان النبي ( أحسن الناس خلقًا، وكان لي أخ يقال له أبو عمير – قال: أحسبه فطيمًا – وكان إذا جاء قال: (يا أبا عمير ما فعل النغير؟) نغر كان يلعب به، فربما حضر الصلاة وهو في بيتنا، فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس وينضح ثم يقوم ونقوم خلفه فيصلي بنا ().
الفائدة الثانية والعشرون: استحباب صلاة الليل مثنى مثنى، وورد بذلك من حديث ابن عمر مرفوعًا (صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي الصبح فليصل واحدة توتر له ما قد صلى)(). مأخوذ من قوله: «فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين».
الفائدة الثالثة والعشرون: استحباب الوتر، وفي وجوبه خلاف، والراجح عدم وجوبه، مأخوذ من قوله: «ثم أوتر» هذه الرواية فيها إبهام عدد ركعات الوتر وسيأتي مزيد بيان في ذلك إن شاء الله على وجه الاختصار.
الفائدة الرابعة والعشرون: فيه كون الوتر آخر صلاة الليل، لفعل النبي ( في هذه الرواية، وقوله: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا».
الفائدة الخامسة والعشرون: جواز الاضطجاع بعد صلاة الليل ليكون أنشط لصلاة الفجر، وقد يكون ذلك مستحبًا فيمن جاءه فتور من طول صلاة الليل.
الفائدة السادسة والعشرون: فيه أن ركعتي الفجر المقصود بها سنة الفجر وليس صلاة الصبح، وقد ورد فيها من الفضائل قوله (: (ركعتي الفجر خير من الدنيا وما فيها)().
الفائدة السابعة والعشرون: التخفيف في ركعتي الفجر وذلك من قوله: «ركعتين خفيفتين».
الفائدة الثامنة والعشرون: فيه استحباب صلاة سنة الفجر في البيت، لفعله ( في هذه الرواية وفي غيرها من الأحاديث الصحيحة، منها حديث ابن عمر: حفظت من رسول الله ( عشر ركعات فذكر منها: «وركعتين قبل الفجر في بيته».
الفائدة التاسعة والعشرون: فيه أن الخروج إلى الصلاة لا يشترط فيه أن يكون عقب ركعتي الفجر، لما فيه من التراخي في الفعل، مأخوذ من قوله: «ثم خرج فصلى الصبح» والله أعلم.
الفائدة الثلاثون: أن صلاة الصبح تكون فور خروج الإمام وذلك لقوله: «ثم خرج فصلى الصبح» فالفاء تفيد التعقيب والفور.
انتهت فوائد رواية مالك عن مخرمة عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما
***
* رواية عبد ربه بن سعيد عن مخرمة عن كريب
عن ابن عباس رضي الله عنهما وما فيها من الفوائد *
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «نمت عند ميمونة والنبي ( عندها تلك الليلة، فتوضأ ثم قام يصلي فقمت على يساره فأخذني فجعلني عن يمينه، فصلى ثلاث عشرة ركعة ثم نام حتى نفخ، وكان إذا نام نفخ، ثم أتاه المؤذن فخرج فصلى ولم يتوضأ «قال عمرو فحدثت به بكيرًا فقال حدثني كريب بذلك.
رجال الإسناد:
عبد ربه بن سعيد بن قيس بن عمرو التجاري الأنصاري المدني أحد الثقات الذين أخرج لهم أصحاب الكتب الستة مات سنة تسع وثلاثين وهو أخو يحيى بن سعيد الأنصاري.
قوله: (نمت عند ميمونة) وهي أعم من رواية بت المذكورة عن مخرمة، لأن المبيت يكون بالليل ولكن قيدت هذه الرواية بقوله ورسول الله ( عندها تلك الليلة ففيه من الفوائد.
الفائدة الحادية والثلاثون: قسم النبي ( لأزواجه لقوله: «والنبي ( عندها تلك الليلة».
الفائدة الثانية والثلاثون: صحة صلاة الصبي مأخوذ من قوله: «ثم قام فقمت عن يساره فجعلني عن يمينه» فلم ينكر عليه النبي ( الصلاة. وهذه اللفظة زيادة على رواية مالك.
الفائدة الثالثة والثلاثون: حرص الإمام على تعديل وقوف المأموم بجواره إذا كان منفردا على يمينه.
الفائدة الرابعة والثلاثون: استحباب صلاة الليل بثلاث عشرة ركعة وفيه خلاف. ومنشؤه قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «ما زاد رسول الله ( في رمضان أو غير رمضان على إحدى عشرة ركعة»() فذهب بعض أهل العلم إلى حديث عائشة، وذهب بعضهم إلى حديث ابن عباس، ووفق بعضهم فقالوا بأن الثلاثة عشر ركعة شاملة للوتر، وقال آخرون بل كانت شاملة سنة العشاء، وزاد في رواية مخرمة السابقة تكرير الركعتين خمس مرات قال ثم أوتر، وقوله: ثم أوتر يحتمل أن يكون أوتر بركعة أو بثلاث، ثم في رواية سوف يأتي ذكرها إن شاء الله تكرير الركعتين ست مرات ثم أوتر، فذلك يدل على أن الوتر بثلاث ركعات بتسليمتين جمعًا بين الروايات ، ورواية ابن عباس رضي الله عنهما فيها زيادة على رواية عائشة رضي الله عنها ، فيجمع بأن النبي ( كان يصلي أحيانًا إحدى عشرة ركعة، وأحيانا كان يصلي بثلاث عشرة ركعة، وإن كان الغالب هو الإحدى عشرة ركعة، وذلك لأن أزواج النبي ( أكثر لزومًا له من غيرهن، مع العلم أنه ورد من طريق ابن عباس رضي الله عنهما صلاة إحدى عشرة ركعة أيضًا ولكن الثلاث عشرة أكثر.
الفائدة الخامسة والثلاثون: قوله: «ثم نام رسول الله ( حتى نفخ، وكان إذا نام نفخ» والنفخ هو صوت تنفس النائم، فيه أن نوم النبي ( لا ينقض الوضوء لقوله (: (تنام عيناي ولا ينام قلبي)() وذلك من خصوصياته (.
الفائدة السادسة والثلاثون: من العبارة السابقة أن النبي ( بشر يعتريه ما يعتري البشر من النوم وغيره من صفات البشرية.
انتهت رواية عبد ربه بن سعيد
***
* رواية عياض بن عبد الله الفهري
عن مخرمة عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما *
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: بعثني أبي إلى النبي ( بهدية، فأتيته وهو في بيت ميمونة، فرقدتني على فضل وسادة، فنام حتى إذا كان شطر الليل قام فنظر في السماء ثم تلا آخر سورة آل عمران (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ( حتى ختمها، ثم عمد إلى شجب من ماء معلق ، فتسوك وتوضأ فأسبغ الوضوء، ولم يهرق من الماء إلا قليلا، حتى حركني فقمت فتوضأت، فقمت عن يساره، فحولني عن يمينه، فجعل يقرأ وهو يفتل أذني، فصلى عشر ركعات ثم أوتر ثم نام، وكان إذا نام نفخ، ثم أتاه بلال فأيقظه للصلاة، فقام فركع ركعتين خفيفتين، ثم خرج إلى الصلاة ().
رجال الرواية:
[عياض بن عبد الله الفهري] ثقة أخرج له الجماعة. قال الحافظ في التقريب، مات على رأس المائة.
الفائدة السابعة والثلاثون: إرسال الصحابة الهدايا للنبي ( حيث كان مأخوذ من قوله: «بعثني أبي إلى النبي ( بهدية» وقد كان كثير منهم يتوخى نوبة أم المؤمنين عائشة لحب النبي ( لها.
الفائدة الثامنة والثلاثون: إرسال الصبي المميز بالهدايا ونحوها إلى عظماء الناس وكبرائهم، لأن العباس أرسل ابنه بالهدية إلى النبي ( ولم يستصغره.
الفائدة التاسعة والثلاثون: أن النبي ( كان يقوم شطر الليل للجزم بذلك في تلك الرواية من قوله: «فنام حتى إذا كان شطر الليل» ففيه الجزم بأن قيام النبي ( كان شطر الليل. أما رواية مالك فقد كان فيها الشك على ما تقدم بيانه.
الفائدة الأربعون: قوله: «فنام حتى إذا كان شطر الليل قام فنظر في السماء» فيه جواز النظر إلى السماء ليكون أدعى إلى التفكر في آيات الله تعالى، وقوله: «ثم عمد إلى شجب معلق» الشجب خشبات ثلاث تعلق عليها الثياب وفي اللسان وقد يعلق عليها القراب لتبريد الماء، وهو الموافق لنا هنا جمعًا بين الروايتين.
الفائدة الحادية والأربعون: قوله: «فتسوك» فيه استحباب السواك قبل الوضوء ليكون أنظف للفم وأنشط في القراءة ()، وفي الصحيح من حديث حذيفة «كان النبي ( إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك()» قال الجوهري في مختار الصحاح والشوص الغسل والتنظيف().
الفائدة الثانية والأربعون: أن الجماعة تنعقد بواحد مع الإمام ولو كان صبيًا مميزًا وهي مستفادة أيضًا من الروايات المتقدمة ().
الفائدة الثالثة والأربعون: جواز إيقاظ الضيف للصلاة لقوله: «فحركني».
الفائدة الرابعة والأربعون: قوله: (فجعل يقرأ وهو يفتل أذني) فيه أن فتل أذن ابن عباس رضي الله عنهما لم يكن حال استدارته فحسب بل كان حال صلاة النبي ( وقد تقدمت فائدة أن العمل في الصلاة إذا كان قليلا لا يبطلها وغيرها من الفوائد أيضا.
وفيه من الزيادات قوله: «فأيقظه للصلاة» وهي تقتضي أن النبي ( كان نائمًا كما تقدم.
انتهت رواية عياض بن عبد الله
***
* رواية الضحاك بن عثمان
عن مخرمة عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما *
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «بت ليلة عند خالتي ميمونة بنت الحارث، فقلت لها إذا قام رسول الله ( فأيقظيني فقام رسول الله ( فقمت إلى جنبه الأيسر، فأخذ بيدي فجعلني من شقه الأيمن، فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني، قال: فصلى إحدى عشرة ركعة ثم احتبى حتى إني لأسمع نفسه راقدًا فلما تبين له الفجر صلى ركعتين خفيفتين ().
رجال الرواية:
[الضحاك هو ابن عثمان] احتج به مسلم وأصحاب السنن وثقه أحمد وابن معين وأبو داود وغيرهم، وقال أبو زرعة ليس بالقوي ، وقال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به وهو صدوق. قال ابن سعد كان ثبتًا مات بالمدينة سنة ثلاث وخمسين ومائة، ذكره الحافظ في تهذيب التهذيب.
[فيه من الزيادات] قول ابن عباس رضي الله عنهما بت ليلة عند خالتي ميمونة بنت الحارث فقلت لها: إذا قام رسول الله ( فأيقظيني.
[ففيه من الفوائد]
الفائدة الخامسة والأربعون: وصية الإنسان غيره بإيقاظه إلى الصلاة إذا خشي فواتها. وهذا في النافلة ففي الفريضة أولى.
الفائدة السادسة والأربعون: استحباب القيام بإحدى عشرة ركعة، وأن ذلك لا ينافي الثلاث عشرة بل كل مستحب، مأخوذ من قوله: «فصلى إحدى عشرة ركعة» وقد تابع الضحاك على هذه الرواية سعيد ابن أبي هلال عند أبي عوانة وغيره.: وسعيد ثقة وإسناد حديثه صحيح، وأيضا تابعه غيره، وكذلك روي من غير طريقه فروي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما كما سيأتي، فيحمل على تعدد مبيت ابن عباس رضي الله عنهما عند النبي ( والله تعالى أعلم.
الفائدة السابعة والأربعون: جواز الاحتباء والاحتبار: هو أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره، ويشده عليها. وقد يكون الاحتباء باليدين عوض الثوب () وذلك من قوله: «احتبى ثم اضطجع » قال النووي احتبى أولاً ثم اضطجع.
انتهت رواية الضحاك
***
* رواية سعيد بن أبي هلال عن مخرمة عن كريب
عن ابن عباس رضي الله عنهما *
عن سعيد بن أبي هلال عن مخرمة بن سليمان أن كريًبا مولى ابن عباس أخبره قال: سألت ابن عباس رضي الله عنهما كيف كانت صلاة النبي ( بالليل؟ قال: «بت عنده ليلة وهو عند ميمونة، فنام حتى إذا ذهب ثلث الليل أو نصفه استيقظ، فقام إلى شن فيه ماء فتوضأ، فتوضأت معه، ثم قام فقمت إلى جنبه على يساره، فجعلني عن يمينه، ثم وضع يده على رأسي كأنه يمس أذني يوقظني، فصلى ركعتين خفيفتين قلت قرأ فيهما بأم القرآن في كل ركعة، ثم سلم ثم صلى حتى صلى إحدى عشرة ركعة بالوتر، ثم نام فأتاه بلال فقال: الصلاة يا رسول الله فقام فركع ركعتين ثم صلى بالناس ()».
رجال الإسناد:
[سعيد بن أبي هلال الليثي] ثقة أخرج له الجماعة، وأخرج له البخاري حديثه عن جابر بن عبد الله معلقا، ولم يسمع من جابر، قال ذلك ابن حجر في التهذيب نقلا عن الترمذي. يقال توفي سنة خمس وثلاثين ومائة.
الفائدة الثامنة والأربعون: حرص التابعين على تعلم هدي النبي ( من الصحابي الذي شهد الوقعة، والأمثلة على ذلك كثيرة، مأخوذ من قول كريب سألت ابن عباس رضي الله عنهما.
الفائدة التاسعة والأربعون: جواز الوضوء مع الصبيان لقوله: «فتوضأ فتوضأت معه».
الفائدة الخمسون: استحباب افتتاح صلاة الليل بركعتين خفيفتين لقوله: «فصلى ركعتين خفيفتين. قلت قرأ فيهما بأم القرآن في كل ركعة ثم سلم. وقد ورد غير حديث في ذلك، وفيه المتابعة لرواية الضحاك في جعل الصلاة إحدى عشرة ركعة بالوتر.
انتهت رواية سعيد بن أبي هلال
***
رواية سفيان عن سلمة بن كهيل عن كريب عن ابن عباس
رضي الله عنهما
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «بت ليلة عند خالتي ميمونة، فقام النبي ( من الليل فأتى حاجته، ثم غسل وجهه ويديه ثم نام، ثم قام فأتى القربة فأطلق شناقها، ثم توضأ وضوءًا بين الوضوءين ولم يكثر، وقد أبلغ ثم قام فصلى، فقمت فتمطيت كراهية أن يرى أني كنت أنتبه له فتوضأت، فقام فصلى، فقمت عن يساره فأخذ بيدي فأدارني عن يمينه، فتتامت صلاة رسول الله ( من الليل ثلاث عشرة ركعة، ثم اضطجع فنام حتى نفخ وكان إذا نام نفخ، فأتاه بلال فآذنه بالصلاة فقام فصلى ولم يتوضأ، وكان في دعائه« اللهم اجعل في قلبي نورًا وفي بصري نورًا وفي سمعي نورًا وعن يميني نورًا وعن يساري نورًا وفوقي نورًا وتحتي نورًا وأمامي نورًا وخلفي نورًا وعظم لي نورًا». قال كريب: وسبعًا في التابوت، فلقيت بعض ولد العباس فحدثني بهن فذكر «عصبي ولحمي ودمي وشعري وبشري» وذكر خصلتين ().
رجال الرواية:
[سلمة بن كهيل] هو ابن حصين بن الحضرمي أبو يحيى. أخرج له أصحاب الكتب الستة. وهو كوفي ثقة ثبت في الحديث، مات يوم عاشوراء سنة إحدى وعشرين ومائة () وهو معدود في التابعين، قال ابن المديني: لم يلق أحدًا من الصحابة إلا جندبًا وأبا جحيفة، فيكون الحديث رواية تابعي عن تابعي.
[سفيان] هو ابن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد الله الكوفي. اتفق الجماعة على إخراج حديثه. وهو ثقة حافظ مشهور عند أهل الحديث. ولد سنة سبع وتسعين. وتوفي بالبصرة سنة إحدى وستين ومائة () على خلاف بسيط في وفاته.
الفائدة الحادية والخمسون: استحباب غسل الوجه واليدين لمن تعرى من الليل ثم أراد النوم (). من قوله: «فقام النبي ( من الليل فأتى حاجته، ثم غسل وجهه ويديه، ثم نام ثم قام» قوله: «ثم نام ثم قام» فيه إبهام لما في الروايات الأخر، من أن ذلك كان في وقت نصف الليل: قبله أو بعده بيسير.
قوله: «ثم قام فأتى القربة فأطلق شناقها، ثم توضأ وضوءًا بين الوضوءين ولم يكثر، وقد أبلغ» أما شناقها: قال الحافظ في الفتح بكسر المعجمة وتخفيف النون ثم قاف وهو رباط القربة: وهو تشبيه بما يشنق به.
الفائدة الثانية والخمسون: كراهية الإسراف في الماء لقوله: «وضوءًا بين وضوءين» وقد مرت فائدة إسباغ الوضوء في رواية مخرمة.
الفائدة الثالثة والخمسون: جواز التمطي خارج الصلاة مأخوذ من قوله: «فقمت فتمطيت».
أما في الصلاة فقد ذهب النخعي وسعيد بن جبير وغيرهما إلى كراهيته.
الفائدة الرابعة والخمسون: استحباب اتخاذ مؤذن راتب للمسجد؛ لأن النبي ( كان يؤذن له بلال على الدواب في مسجده، سواء اشترك معه غيره كابن أم مكتوم أم لا.
الفائدة الخامسة والخمسون: استحباب الدعاء لمن قام من الليل بما دعا به النبي (؛ شاهده قوله: «وكان في دعائه:« اللهم اجعل في قلب نورًا، وفي بصري نورًا، وفي سمعي نورًا، وعن يميني نورًا، وعم يساري نورًا، وفوق نورًا، وتحتي نورًا، وأمامي نورًا، وخلفي نورًا، وأعظم لي نورًا». قال كريب وسبعًا في التابوت، فلقيت بعض ولد العباس فحدثني بهن فذكر :« عصبي ولحمي ودمي وشعري وبشري »، وذكر خصلتين.
وفيه أيضا الفائدة السادسة والخمسون: فضيلة هذا الدعاء الذي دعا به النبي (.
قال ابن حجر في الفتح: المراد بقوله: «وسبعًا في التابوت» أراد به الصدر الذي هو وعاء القلب، وسبق ابن بطال والداودي إلى أن المراد بالتابوت الصدر، وزاد ابن بطال كما يقال لمن يحفظ العلم علمه في التابوت مستودع، وقال النووي تبعًا لغيره : المراد بالتابوت الأضلاع وما تحويه من القلب وغيره تشبيهًا بالتابوت الذي يحرز فيه المتاع. يعني سبع كلمات في قلبي ولكن نسيتها، قال وقيل المراد سبعة أنوار كانت مكتوبة في التابوت الذي كان لبني إسرائيل فيه السكينة، وقال ابن الجوزي يريد بالتابوت الصندوق، أي سبع مكتوبة في صندوق عنده لم يحفظها في ذلك الوقت... إلى آخر كلامه رحمه الله().
انتهت رواية سفيان عن سلمة بن كهيل عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما
***
* رواية شعبة عن سلمة عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «بت في بيت خالتي ميمونة، فبقيت كيف يصلي رسول الله ( قال: فقام فبال، ثم غسل وجهه وكفيه، ثم نام، ثم قام إلى القربة فأطلق شناقها، ثم صب في الجفنة أو القصعة، فأكبه بيده عليها، ثم توضأ وضوءًا حسنًا بين الوضوءين ثم قام يصلي، فجئت فقمت إلى جنبه فقمت عن يساره، قال فأخذني فأقامني عن يمينه، فتكاملت صلاة رسول الله ( ثلاث عشرة ركعة، ثم نام حتى نفخ، وكنا نعرفه إذا نام بنفخه، ثم خرج إلى الصلاة فصلى، فجعل يقول في صلاته أو في سجوده: اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي سمعي نورًا، وفي بصري نورًا، وعن يميني نورًا، وعن شمالي نورًا، وأمامي نورًا، وخلفي نورًا وفوقي نورًا، وتحتي نورًا، واجعل لي نورًا. أو قال واجعلني نورًا().
رجال الرواية:
[شعبة] هو شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي، أبو بسطام الواسطي ثم البصري. أحد فحول المحدثين ونقاد الرجال البارزين، بل قيل بأنه أول من تكلم في الرجال، أخرج له الجماعة. قال الحافظ المزي في تهذيبه: قال أبو بكر بن منجويه: مولده سنة اثنتين وثمانين، ومات سنة ستين ومائة في أولها، وله سبع وسبعون سنة.
قوله: «فبقيت كيف يصلي»() هو بفتح الباء الموحدة والقاف، أي رقبت ونظرت، يقال: بقيت وبقوت بمعنى رقبت ورمقت.
قوله: «ثم قام إلى القربة فأطلق شناقها ثم صب في الجفنة أو القصعة فأكبه بيده عليها، ثم توضأ وضوءًا حسنًا بين الوضوءين».
الجفنة: بفتح الجيم وسكون الفاء: هي القصعة، وهي إناء يسع ما يشبع عشرة.
فوائد الرواية:
قوله: «ثم خرج إلى الصلاة فصلى، فجعل يقول في صلاته أو في سجوده، اللهم اجعل في قلبي نورا» - إلى آخره.
فيه الفائدة السابعة والخمسون: وهي أن الدعاء المذكور كان في صلاة الفريضة. وقد ورد في بعض الروايات أنه كان في صلاة الليل، وورد أنه كان قبل الدخول في الصلاة، فيُجمع بين ذلك بأن النبي ( قال هذا الدعاء قبل صلاة الليل وفيها، وفي صلاة والفجر. والله أعلم.
وفيه أيضًا الفائدة الثامنة والخمسون: وهي استحباب الدعاء في السجود عمومًا، وهذا الدعاء المذكور خصوصًا.
انتهت رواية شعبة عن سلمة عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما
***
* رواية ابن أبي ليلى عن سلمة عن كريب
عن ابن عباس رضي الله عنهما *
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «بت عند خالتي ميمونة بنت الحارث زوج النبي (، فقلت: لأحفظن صلاة رسول الله ( كيف يصنع، فجاء من المسجد فأتى ناحية الدار فقضى حاجته، ثم أتى القربة فأطلق شناقها، فغسل وجهه ويديه، ثم أخذ مضجعه فمكث ما شاء الله ثم قام فأتى ناحية الدار ثم أتى القربة فأطلق شناقها، ثم توضأ وضوءًا بين الوضوءين، لم يكثر إهراقة الماء وقد أسبغ الوضوء، ثم أتى المسجد، قال: فصنعت كما صنع ثم جئت فقمت عن يساره فأخذ بيدي فمدها من خلفي، فأقامني عن يمينه، وصلى ثماني ركعات وأوتر بثلاث، ثم صلى ركعتين ثم قال: (اللهم اجعل لي نورًا في قلبي، ونورًا في سمعي، ونورًا في بصري، ونورًا في شعري، ونورًا في بشري، ونورًا في لحمي، ونورًا في دمي، ونورًا من بين يدي، ونورًا من خلفي، ونورًا عن يميني، ونورًا عن شمالي، ونورًا من تحتي ونورًا من فوقي، اللهم أعطني نورًا واجعل لي نورًا وأعظم لي نورًا)().
رجال الطريق:
[ابن أبي ليلى] هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلة أبو عبد الرحمن قاضي الكوفة الفقيه. وهو ليس بالقوي في الحديث، خرّج له أصحاب السنن، مات سنة ثمان وأربعين ومائة. وله ذكر في صحيح البخاري في كتاب الأحكام. ذكر ذلك الحافظ في تهذيبه والله أعلم. وهذه الرواية فيها ضعف آخر وهو وجود بقية بن الوليد في إسنادها. وأما فوائدها:
الفائدة التاسعة والخمسون: من قوله: «ثم أتى المسجد» جواز صلاة نافلة الليل في المسجد وإن كان الغالب من فعله ( صلاتها في البيت، وقد ورد أيضًا حديث عائشة في قصة صلاة الصحابة بصلاته في المسجد في رمضان ولفظه عن عائشة: «أن رسول الله (() صلى في المسجد ذات ليلة، فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة، فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله (. فلما أصبح قال: قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم. قال: وذلك في رمضان».
قوله: «وصلى ثمان ركعات وأوتر بثلاث، ثم صلى ركعتين» الثماني الركعات لم يبين كيفيتها، وهي مبينة في الروايات الأخرى أنها ركعتان ركعتان جمعًا بين الروايتين.
انتهى رواية بن أبي ليلى عن سلمة عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما
***
* رواية عمرو بن دينار عن كريب *
عن ابن عباس رضي الله عنهما «أنه بات عند خالته ميمونة، فقام رسول الله ( من الليل فتوضأ من شن معلق وضوءًا خفيفًا، قال: وصف وضوءه، وجعل يخففه ويقلله. قال ابن عباس: فقمت فصنعت مثل ما صنع النبي ( ثم جئت فقمت عن يساره فأخلفني فجعلني عن يمينه، فصلى ثم اضطجع فنام حتى نفخ، ثم أتاه بلال فآذنه بالصلاة، فخرج فصلى الصبح ولم يتوضأ»() قال سفيان: وهذا للنبي ( خاصة لأنه بلغنا أن النبي ( تنام عيناه ولا ينام قلبه.
رجال الإسناد:
[عمرو بن دينار] هو المكي أبو محمد تابعي ثقة ثبت، وهو أخو عبد الله بن دينار الإمام الثقة. وكلاهما ثقات أثبات في الحديث أخرج له الجماعة: مات سنة ستة وعشرين ومائة.
الفائدة الستون: قوله: «فأخلفني فجعلني عن يمينه» معنى أخلفني أي أدارني من خلفه قاله النووي في شرح مسلم ()، ففيه فائدة، وهي كيفية إدارة الذي أخطأ فصلى عن شمال الإمام أنه يديره عن يمينه من خلفه ليس من أمامه ، وذلك والله أعلم للحفاظ على سترة المصلى ، فإنه مأمور أن يدفع من أراد أن يمر من بين يديه.
انتهت رواية عمرو بن دينار عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما
***
* رواية شريك بن أبي نمر عن كريب *
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «رقدت في بيت ميمونة ليلة كان النبي ( عندها، لأنظر كيف صلاة النبي ( بالليل، قال فتحدث النبي ( مع أهله ساعة، ثم رقد» وساق الحديث وفيه: «ثم قام فتوضأ واستن»().
رجال الرواية:
[شريك بن أبي نمر] هو شريك بن عبد الله بن أبي نمر. قال أبو عبد الله المدني قال الحافظ في التقريب: صدوق يخطئ، ومع ذلك فقد أخرج له الشيخان في الصحيح. وأخرج له الإمام البخاري حديث الإسراء الذي خلط فيه كثيرًا ، مات في حدود أربعين ومائة.
الفائدة الحادية والستون: قوله: «فتحدث النبي ( مع أهله ساعة ثم رقد» فيه – مع ما تقدم من جواز السمر بعد العشاء – مؤانسة الأهل وحسن عشرتهم حيث يتحدث النبي ( مع أهله ساعة ()، ومن حسن عشرته ( أنه كان يستمع لأزواجه في الأحاديث الطوال، كما حدث له ( مع عائشة في حديث أم زرع الطويل، فصلى الله عليه وسلم من إمام للبشرية ورحمة للبرية.
انتهت رواية شريك عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما
***
* رواية سالم بن أبي الجعد عن كريب *
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «بت عند ميمونة خالتي فقام رسول الله ( فاغتسل، فأتي بمنديل فلم يمسه وجعل يقول بيده هكذا قال يعني ينفضها ()».
رجال الطريق:
[سالم بن أبي الجعد] ثقة أخرج له الجماعة، قال الحافظ في التقريب: ثقة يرسل كثيرًا. مات سنة سبع أو ثمان وتسعين.
الفائدة الثانية والستون: استحباب نفض ماء الغسل باليد من غير تنشيف.
الفائدة الثالثة والستون: جواز استعمال المنديل ونحوه لتنشيف الوضوء والغسل؛ لأنه لو لم يكن جائزًا لما اكتفى النبي ( برده، ولبين كراهته، لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، سواء في هذه الرواية، وهي رواية معلولة كما سيأتي. والعمدة عندي في ذلك ما ثبت في الصحيح في قصة غسل النبي ( من حديث ميمونة. وفيه «فأتيته بالمنديل فلم يرده وجعل يقول بيديه هكذا» أو نحوه.
التعليق على الرواية:
هذه الرواية لها عدة علل، منها قول عبد الله بن إدريس: سمعت الأعمش يذكر عن سالم، والأعمش مدلس يجب تحقق سماعه، وكذلك سالم فقد عرفت أنه كثير الإرسال، وقد عنعن في الرواية، وكذلك فإن المحفوظ عن الأعمش عن سالم عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما عن ميمونة في قصة غسل النبي (، وفيه رده المنديل، وقد قال جمهور العلماء بجواز التمندل بعد الوضوء والغسل؛ أي تنشيف ماء الوضوء والغسل بالمنديل ونحوه.
انتهت رواية سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما
* رواية يزيد بن زياد عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما *
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «بت عند خالتي ميمونة فاضطجع رسول الله وأهله في طول الوسادة ، واضطجعت في عرضها، فقام رسول الله فتوضأ ونحن نيام، قال: «يا هذين الصلاة» ثم رش عليهما من وضوئه، قال: ثم قام فصلى فقمت عن يمينه فأخذني فجعلني عن يساره، فلما صلى قلت: يا رسول الله أخبرني عن مقامي. قال: «أخبرتك عن مقام جبريل» قال: فسمعته يدعو بهذا الدعاء: اللهم هب لي نورًا في سمعي، وهب لي نورًا في بصري، وهب لي نورًا من خلفي، وهب لي نورًا عن يميني وعن يساري، وهب لي نورًا في لحمي وشعري ودمي، فعد رسول الله ست عشرة مرة يرددها، ثم في السبع عشرة: اللهم هب لي نورًا إلى نور»().
رجال الطريق:
[يزيد بن زياد] ويشبه أن يكون القرشي أو غيره فالله أعلم، وقد بحثت في شيوخ أبي بكر بن أبي الدنيا فلم أجد من شيوخه من سمي بهذا الاسم، وكذلك في تلاميذ كريب قال المحقق لكتاب أبي بكر بن أبي الدنيا مصلح بن جزاء بن فدغوش الحارثي. إسناده ضعيف.
الفائدة الرابعة والستون: استحباب إيقاظ الرجل أهله وعشيرته لقيام الليل، من قوله: «يا هذين الصلاة» وقد ورد في غير حديث أن النبي ( أيقظ أهله للصلاة؛ منها حديث «أيقظوا صويحبات الحجر، فرب كاسية في الدنيا عارية يوم الق