معالم طريق الهجرة:
لعله مما تقدم، أن قد اتضحت معالم طريق الهجرة.فالهجرة ، وكما أشير إليها في صدر هذا الكتاب، ليست انتقالاً من مكان إلى مكان، كما وأنها ليست عروجاً إلى بروجٍ بطي كتمان الزمان .
إنها الانفتاح إلى آفاقٍ أرحب في سماء الفكر الإنساني ، وهي الطلب شديد الإلحاح للاستقرار على قواعدٍ مطمئنةٍ في واقع حياة الشعور التي يتقلب الإنسان المتجدد الحاجات والقدرات ، على صعيد جيشانها وأحلام انطلاقها وتطلعات آمالها نحو حياة كاملة في كنف المحبة الخالصة والجمال البديع.
والهجرة جارية باستمرارية لا تتوقف أبداً .فهي شأن الإرادة الإلهية التي كل يوم هي في شأن.يومها هو الآن في هذه اللحظة الحاضرة،وشأنها التجلي والجلاء والانكشاف في علم متجدد وإرادة يطّرد نمو تصميمها بإبداعٍ مذهلٍ ،وقدرة لا تتكرر في جنباتها الصور ولا الألوان ولا الأصوات.
والمهاجر الذي يتقلب على متن موجاتها الخافضة الرافعة، هو هذا الإنسان الذي جاءت كرامته من شأن تقلبه عبر محتوشات السير من مخاض مستمر وميلاد متجدد.
{ يا أيها الإنسان إنك كادحٌ إلى ربك كدحاً فملاقيه}
دافع هذه الهجرة التي لا تنفك هو ميثاق الحنين شديد الشوق ،الموثّق بعروة المحبة الفيّاضة للعودة إلى مهد الميلاد الأول حيث وحين كان {الله} ولا شيء معه.
وميثاق هذا الحنين مكتوب عليه أنه غزل متجدد القوة لا يُنقض ولا يبلى.يسير المهاجر مستظلاً بظله نحو غايته المنشودة ، يفكفك عن أعناقه المغلولة جنازير أسر الحدود ويستعيض عنها أجنحة يطير بها نحو آفاق الحرية المطلقة من كل قيد أو شرط.
الحريّة المطلقة
من هو الحر وما هو معنى أن يكون الفرد حراً حرية مطلقة؟
إن الحر الحرية المطلقة هو {الله} سبحانه وتعالى.
والدين عند {الله} الإسلام.
ومن أعظم قيم الإسلام هي حسن الخلق
وحسن الخلق هو خلق {الله} الأعظم
وخلق {الله} الأعظم هم اسم {الله} الأعظم
الذي ضل العباد إليه السبيل.
و القرآن الكريم كلام {الله} هو:
هو: علم {الله} وهو: إرادة {الله} وهو: قدرة {الله}
القرآن العظيم هو:
اسم {الله} وهو: صفة {الله} و هو: فعل {الله}
هو الأمر المراد كن فيكون.
و بهذا فإن علمه هو إرادته هو قدرته هو أمره وهو قوله وفعله وتلك هي رسله لا يفرق بين أحد منهم.
{ آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه
والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله
لا نفرّق بين أحد من رسله
وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير}
[285 البقرة]
والمؤمن مرآة المؤمن. ومرآته جل شأنه هو صفيه وحبيبه الذي أرسله للعالمين كافة بشيراً ونذيرا بكتاب الرأفة والرحمة. هو الذي قال، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:
( أدبني ربي فأحسن تأديبي )
فقال {الله} عنه:
{ وإنك لعلى خلق عظيم }
فقالت عنه سيدتنا أم المؤمنين عائشة رضي {الله} عنها وأرضاها:
( كان خلقه القرآن )
فهو من بعد {الله} أول الأحرار حرية مطلقة. لا ينطق عن الهوى وهو رءوف رحيم.فهو حقيقة و حقاً هو اسم {الله} الأعظم.اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا غرة أعيننا وريحانة فؤادنا مخلّصنا حافظنا وحفيظنا وشفيعنا يوم يقوم الحساب درّة ملكك وجوهرة ملكوتك محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم صلاة وسلاما متلازمين دائمين دوام وجهك الكريم وبقدر عظمة ذاتك يا واحد يا أحد يا صمد يا عظيم.
ما معنى أن يكون الفرد حراً حرية مطلقة
معنى أن يكون الفرد حراً حرية مطلقة هو أنه:
يفكر كما يريد ويقول كما يفكر ويعمل كما يقول ثم لا تكون عاقبة فكره وقوله وعمله إلا خيراً وبراً بالأحياء وبالأشياء أي بخلق {الله} أجمعين.
والمعنى في ذلك أنه متخلق بخلق {الله}
قال النبي الكريم محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:
( تخلقوا بأخلاق {الله} إن ربي على صراط مستقيم )
ولعل أن معنى الأخوّة الواردة في الحديث الشريف:
(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)
في أعلى درجاتها هو أخوّة الخلق أجمعين.
قال النبي الكريم محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:
( الخلق كلهم عيال {الله} فأحبهم إلى {الله} أنفعهم لعياله )
الخلق الذين هم جميعهم عيال {الله} ليس هم الإنس والجن فحسب بل هم كل ما خلق {الله} تبارك وتعالى ما علمنا بهم وما لم نعلم بهم بعد.
فالهجرة في أسمى معانيها هي الهجرة إلى {الله}.هي التحرر مما سوى الرب تبارك وتعالى.
وهي الجهاد الأكبر في {الله}.هي السفر عبر بحور أبعاد الحياة السبعة للانتهاء إلى حيث كان الابتداء.
{ يوم نطوي السماء كطيّ السجل للكتب
كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين }
[104 الأنبياء]
بحور أبعاد الحياة السبعة
{الله}
جلّ جلاله
ماذا نعلم وماذا نعرف وماذا ندرك عنه ؟!!!!!
كل من هب ودب يقول يا {الله} السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده، سبحانه وتعالى علوا يقصّر دونه جميع وكل ما دونه.
جميع أهل الأرض من أهل الكتاب: مسلمون، مسيحيون ويهود يقولون يا{الله}.
يقسمون باسمه في جميع حالاتهم مهما كانت عظيمة أو وضيعة، حتى أصبح تداول هذا الاسم العظيم من أمور الناس البديهية المألوفة وكأنهم يعرفونه كما يعرفون آبائهم وأبنائهم. يقسمون به وهم صادقون كما أنهم كذلك يقسمون به وهم كاذبون.
وجميع أهل الأرض كذلك يقولون يا {الله} مع اختلاف التعبير. وقديماً قال عبّاد الأوثان : إنما نعبدهم ليقربونا إلى {الله} زلفى .
فمن وما هو {الله}؟
نبدأ
باسم {الله }الرحمن الرحيم.
( كل ما خطر ببالك فالله خلاف ذلك )
ونورد القول الجامع :
تفكروا في آياته ( بمعنى : أسمائه وصفاته وأفعاله ) ولا تتفكروا في ذاته فتهلكوا
إذن، والقول هكذا فمن الممكن المتاح والغير محرم هو أن نتفكر في ما يمكن أن يعمل عليه الفكر وهو الأسماء والصفات والأفعال الحسنى.وأول الأسماء الحسنى؛هو أعظم الأسماء
{ الله }
هو أول الأسماء وهو آخر الأسماء وهو ما بين الأول والآخر.
هذا الاسم العظيم يبدأ بحرف نوراني حيوي ( ا ) لا ينطق باللسان، وإنما يأتي والتنفس في لحظة نطقه يتجه إلى داخل جوف الإنسان. ففي أثناء نطقه يسكن اللسان بلا حركة.
وهذا الاسم العظيم يبدأ بحرف نوراني حيوي (هـ) لا ينطق باللسان ، وإنما يأتي والتنفس في لحظة نطقه يأتي خارجاً من جوف الإنسان واللسان ساكن بلا حركة.
___________________________________________
وبهذا فهو أول الحياة وهو آخرها ومنتهاها.
___________________________________________
هذا الاسم العظيم ليس له معني في قاموس اللغة. ذلك لأنه جماع المعاني .
عندما تقول: مثلا؛ محمد، عبد {الله} أو تقول زيداً أو عمرو فإن جميع الأسماء تشير إلى معنى يتبادر إلى الذهن إلا الاسم العظيم { الله }.ذلك لأن الذهن أو إن شئت قل العقل مهما كان من الدقة بمكان فهو منطقة قيد وقيده الثنائية المتناقضة التي تقوم عليها آلية التفكير.
أما الاسم العظيم فهو تبارك وتعالى في ما لا يمكن تسميته بمنطقة وإنما يمكن أن يقال أنه الإطلاق الذي لا تدركه العقول:
( كل ما خطر ببالك ف{الله} خلاف ذلك )
قمة هذا الإطلاق هي ذات {الله} التي لا تُعلم ولا تُعرف ولا تُوصف ولا تُدرك ولا تُفهم ولا تُعقل . وقاعدة هذا الإطلاق هو أول تجلي الذات العظيمة العظمات وهو الاسم العظيم:
{ الله }
وهو الذي تحدث فقال:
{ كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف
فخلقت الخلق فتعرفت إليهم فبي عرفوني }
ولعل موقع التجلي الأول وظهور الاسم العظيم هو ما بين الكاف والنون في عبارة :{ كنت }
ولقد انجلى هذا التجلي العظيم على ستة بحور حياتية.
أو إن شئت فقل ستة أبعاد للحياة.أو ستة أيام من أيام {الله}
أنت كثيراً ما تسمع من العلماء والمفكرين عن ( البعد الرابع ) باعتباره منطقة العلم المطلق.
وبعضهم يقول أن البعد الرابع هو {الله}.
أما حقيقة الأمر فلعلها :- { أبعاد الحياة السبعة }
بحور أبعاد الحياة السبعة
الحياة تقوم وتتبلور على اسم هو الأعظم وست صفات عظيمة جلّت تباركت وتعالت.ولعل أن نسبة هذه الصفات الست إلى الاسم العظيم الأول والآخر الظاهر والباطن هي أنها أسمائه وصفاته وأفعاله، هي علمه وإرادته وقدرته.هي كلها بُحور أبعادٍ تتماوج في بحره الواحد وهي في جملتها أمواجٌ تتلاطم في بُعد كل بحرٍ منها. والحياة وما كان قبلها، وفيما بينها وما ستؤول إليه ، حُكيت حكايتها في الحديث القدسي المعظّم حين قال {الله} تبارك وتعالى:
كنت كنزاً مخفيّاً فأحببت أن أُعرف
فخلقت الخلق فتعرّفت إليهم فبي عرفوني
* بحر البعد الأول :
هو الاسم الأول الآخر الظاهر الباطن هو:
{الله}
خالق كل شيء هو الواحد القهار
* بحر البعد الثاني :
هو الصفة العظيمة الأولى:
{ الإله}
قال تبارك وتعالى :
{ إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري }
[ 14 طه ]
*بحر البعد الثالث:
هو الصفة العظيمة الثانية:
{الحي}
قال ذو الجلال والإكرام :
{ الله لا إله إلا هو الحي القيوم }
[ 255 البقرة ]
*بحر البعد الرابع:
هو الصفة العظيمة الثالثة:
{القيوم}
*بحر البعد الخامس:
هو الصفة العظيمة الرابعة:
{العالم}
*بحر البعد السادس:
هو الصفة العظيمة الخامسة:
{المريد}
*بحر البعد السابع :
هو الصفة العظيمة السادسة:
{القادر}
هذا الاسم الواحد الأحد الصمد وصفاته العظيمة الست هي لب بحور أبعاد الحياة السبعة.
والحياة تسلك مدارًا لولبياً أقيم على سبع حلقات مفتوحة على بعضها.
أو إن شئت فقل : سبع أبعادٍ ينتسب بعضها إلى بعضٍ ، وهي في مجمل كونها تتناسب نسباً مطلقاً فيما بينها إلى ما بين بينها .
وهي في هذا الحال أشبه بمجرة لا أول لها ولا آخر تسبح في فضاء الكون المطلق الذي لا بداية له ولا نهاية.
ظهر هذا الكون أول ما ظهر ، من نقطة جاءت من خفاء ألذات العلية تسمت بالاسم الأعظم {الله} فسالت إلى حلقات تدور تتوالى منفرجة حتى إذ ما بلغت أقصى حدود الانفراج في دورتها الرابعة عادت لتضيق وهي في سبيلها نحو دورتها السابعة التي تكون في حالة وكأنها نقطة البداية. حتى إذ ما بدت وكأنها تنغلق انفتحت منفرجة لتبدأ دورة جديدة من دورات الحياة.
ومن باب الورع نقول بأننا قد قلنا: ( نقطة جاءت من خفاء )كرمز مصطلح نعبر به بأداة عقولنا القاصرة عن الغيب المجهول . كما في لغة الحساب :تضع حرف (س) تعبيراً عن قيمة مجهولة.
والحق أنه يمكن أن يُضرب لذلك مثلاً من واقع الحياة المعاش.وهذا يكون باعتبار أن الحياة الحقيقية هي هنا والآن.ذلك لأن كل ما كان وكل الذي سيكون ، هو كائن الآن. ونأخذ لذلك هذه المادة المستخرجة من باطن الأرض :البترول.
يُستخرج البترول مادة غليظة كثيفة.ثم يعالج بالحرارة لتُستخلص منه عدة مواد تتفاوت في درجات كثافتها.هكذا: بترول(خام) > ديزل > كيروسين > بنزين > غاز.فإن عكسنا عملية التكرير هذه التي تسير بخام البترول من أسفل درجات الكثافة إلى أقصى صور الرفاعة، فبدأنا نُكثّف الغاز بمعنى نُسيّله، يمكن أن يعطينا ذلك تصوّراً لكيف يكون التجلي والتنزّل من غيب الخفاء إلى شهادة المحسوس (الوجود الحسي ).ولعل أن هذا هو ما حدث تماماً في عملية الخلق عندما برز الوجود.اقرأ:
{ثمّ استوى إلى السماء وهي دُخَانٌ
فقال لها و للأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً
قالتا أتينا طائعين}
[ 11 فصّلت ]
قال تبارك وتعالى:
{ يوم نطوي السماء كطيّ السجل للكتب
كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين }
[104 الأنبياء]
بيان بحور الأبعاد السبعة
{1 }بحر البعد الأول :الاسم العظيم
{ الله}
> كنت كنزا مخفيّا <
فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فتعرفت إليهم فبي عرفوني
ونحن عندما نتحدث عن هذا الاسم الأعظم {الله} الذي حتى الإشارة هيهات أن تدركه لا نتحدث عن معرفة بحقيقته ، وإنما نتحدث بخيال يحوّشه الورع والخوف والوجل عن وجهه الذي نراه في آفاق آياته التي ظهرت.
و أن ما خُفي عنا أجلّ وأعظم.
{ سُبحان ربّك ربّ العزة عما يصفون }
[180 الصّافات]
1-{ كنت}{إنني أنا الله}
هذا هو البعد الأول ويمتد من بداية التجلي الأول ( أو إن شئت فقل الظهور من الخفاء المطلق ) وإلى نقطة عالم الغيب والشهادة.
ففي منطقة الغيب وهي أول تجليات الذات العليّة كان {الله} ولا شيء معه:
{ كنت كنزاً مخفيّاً }
المتحدث هنا هو الاسم العظيم { الله }
والحديث جرى عن كينونته التي كانت مخفية في خفاء الذات العليّة.
هذه منطقة أحدية صمدية فريدة متفردة:
{ قُل هُو اللهُ أحدٌ* اللهُ الصمدُ*
لم يلد ولم يُولد*ولم يكُن له كُفُواٍ أحد }
وهي منطقة شهود التدلي من الخفاء المطلق إلى آفاق بهموت الاسم الذي ليس كمثله شيء :
{هو الله الذي لا إله إلا هو
عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم}
[22 الحشر]
{عالِم الغيب} الغيب هو ما أشرنا إليه أعلاه بآفاق بهموت الاسم الذي ليس كمثله شيء.
و (عالِم الشهادة) الشهادة هو مقام تجلي الاسم العظيم {الله} شاهداً ومشهوداً.
{شهد الله أنه لا إله إلا هو
والملائكةُ وأُولوا العلم قائماٍ بالقسط
لا إله إلا هو العزيز الحكيم }
[18 آل عمان]
{إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري}
[14 طه]
{2}بحر البعد الثاني:
الصفة الأولى العظيمة :
{الإله}
{ كنت كنزاً مخفياً
> فأحببت <
أن أعرف فخلقت الخلق فتعرفت إليهم فبي عرفوني}
2-{ فأحببت }
هنا تحقق تجلي البعد الثاني .وهو عالم اللاهوت . وهو الذي تبلور تجليه في الحقيقة المحمدية المشرفة .وهي ثالوث : الإله فالرحمن فالرحيم
{ وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو
الرحمن الرحيم}
[163 البقرة].
وهي المقام الذي التي انبثقت عنه أنوار النبوة التي أضاءت فبلورت الأكوان.منها أُنزل القرآن وفيها خُلق الملك والجن و الإنسان .خلقت السماوات والأرض (الأكوان) في يومين من أيام {الله}ثم عليها بُعثت الحياة : ملك وجان وإنسان وحيوان في أربعة أيام من أيام {الله}.
وهو عالم مضيء لا ظلال فيه ولا ظلام. هو العروة الوثقى لا انفصام لها. هو المحجة البيضاء ليلها كنهارها.وذلك بمعنى أنها ليست منقسمة ؛ لا ليل لها ولا نهار فيها:
قال محمد النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم
كنت نبياً وآدم بين الماء والطين )
هذه العروة الوثقى أو إن شئت فقل (البعد الثاني) هو مقام الصفة العظيمة {الإله} أول الصفات للاسم الأعظم{الله} وأعظم وأول وآخر تجلياتها وما بين الأول والآخر في فحواها هي المحبة.فالمحبة هي انفعال الإله الواحد بالرحمة التي وسعت كل شيء .
وأول وآخر انفعالها وما بين الأول والآخر في انفعالاتها هو المغفرة.
هذه العروة الوثقى ( البعد الثاني ) ( الحقيقة المحمدية ) ( الإله الواحد):
اسمها {الإله} وصفتها المحبة وانفعالها المغفرة
وهي قائمة على ثالوث متفرد لا ينفصم.ينفعل انفعالا ذاتياً داخل حرم أمين ثالوث المقامات:
الاسم:{الإله} الصفة: المحبة الفعل: المغفرة
هذه المقامات الثلاث الرفيعة تقوم على قيم ثلاث مجيدة هي :-
1- الحب 2- الجلال 3- الجمال
وتتسم كل واحدة من هذه القيم المجيدة بسمة ثلاثة وثلاثين اسماً من الأسماء الحسنى التسعة وتسعين :
* الإله :وهو منبع{ الحب }الذي يفيض مغفرة .وسماته :
الله الملك القدوس السلام المؤمن الحكيم الغفار الوهاب الفتاح اللطيف العظيم
الغفور الحفيظ الكريم الواسع الولي الحميد المحي الحي القيوم الواجد الماجد
الأحد الصمد القادر الأول الظاهر الوالي الغني النور الهادي الباقي الرزاق
* الرحمن : وهو المتجلي ب{ الجلال }
وهو باعث الرحمة التي وسعت كل شيء وسماته :
الرحمن الخالق العزيز الجبار المتكبر المذل القهار الضار العليم القابض الخافض
المعز السميع الحكم الخبير العلى المقيت الحسيب الرقيب المهيمن الباعث الحق
القوي المحصي المبدي المميت الواحد المقتدر المقدم المتعالي المنتقم المانع مالك الملك ذو الجلال والإكرام
* الرحيم : وهو مبدع{ الجمال }
الذي خصّ به الإنسان وسماته :
الرحيم المصور الباسط الرافع الباري البصير العدل الحليم الشكور الكبير الجليل
المجيب الودود المجيد الشهيد الوكيل المتين المعيد المؤخر الآخر الباطن البر
التواب العفو الرءوف المقسط الجامع المغني النافع البديع الوارث الرشيد الصبور
هذه العروة الوثقى ( البعد الثاني ) ( الحقيقة المحمدية ) ( الإله الواحد):هي النور الذي شع عن الاسم العظيم { الله } معلناً بداية الحياة.
قال محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، عندما سأله الصحابي الجليل / جابر بن عبد {الله} الأنصاري : بأبي أنت وأمي يا رسول {الله} ما أول ما خلق {الله} ؟ فقال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:
( أول ما خلق { الله} نور نبيك يا جابر )
{3}بحر البعد الثالث: الصفة العظيمة الثانية : {الحي}
قال جلّ وعلا:
______________________________________
{ كنت كنزاً مخفياً فأحببت
> أن أُعرف <
فخلقت الخلق فتعرفت إليهم فبي عرفوني}
_______________________________________
3-{أن أعرف}
هنا برز البعد الثالث في صفة {الله} العظيمة:{الحي}
وهو الوجود القديم. هو عالم الأمر المصباح السراج المنير.
{ ألا له الخلق والأمر تبارك الله ربّ العالمين }
[ 54 الأعراف]
هو عالم الروح التي بالصوت نفخت فتنفست عبقاً عليه أقيم عرش العقل القديم.
هو الجنّة التي أسكن فيها أبو البشر آدم عليه السلام وظل فيها حتى ميقات عرض الأمانة وحمله لها.
هو الدورة الأخيرة من ثالوث عالم الغيب. وهو مقام اكتمال جلال سلطان العزّة .
{ ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم}
[6 السجدة]
{4}بحر البعد الرابع:الصفة الثالثة العظيمة :{ا لقيوم }
قال جلّ وعلا:
_________________________________________
{ كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أُعرف
> فخلقت <
الخلق فتعرفت إليهم فبي عرفوني}
_________________________________________
4- {فخلقت}
البعد الرابع هو عالم الخَلقْ .وهو برزخ ما بين محيط عالم الغيب وبحر عالم الشهادة.
{ ذلك عالم الغيب ( و) الشهادة العزيز الرحيم}
[6 السجدة]
{5}بحر البعد الخامس:الصفة الرابعة العظيمة: { العالم}
قال جلّ وعلا:
_________________________________________
{ كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أُعرف فخلقت
> الخلق <
فتعرفت إليهم فبي عرفوني}
5-{الخَلقَ}
البعد الخامس هو عالم (الناسوت )
بدأ جلاؤه حين صدر الأمر بالتسوية الأولى لتنصيب خليفة {الله} الأول على الخليقة وذلك بنفخ الروح فيه ليبرز العقل الحادث ، ويبدأ التكليف. ولعل أن صدور القرار بالتكليف هو إعلان بداية مشوار الرجوع إلى من إليه راجعون .
هو الدورة الأولى من ثالوث عالم الشهادة قائماً على ميزان الحق والعدل.هو بداية السير لاكتمال مقام صفاء الرحمة.
{ ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم}
[6 السجدة]
عالم تنزل العلم من القلوب إلى العقول.
هو سدة عرش الرحمن تبارك أحسن الخالقين:
{ فتعالى الله الملك الحقّ لا إله إلا هو
ربّ العرش الكريم}
[116 المؤمنون]
عالم الإنسان ومكانه في أحسن تقويم.
هو الأرض التي أهبط عليها أبو البشر آدم عليه السلام.
وهو البعد الذي نصّب فيه الرحمن مالك الملك ملك يوم الدين ، آدم عليه السلام خليفة على الأرض. وذلك بما علمه من بيان علم الأسماء:
{ الرحمن * علّم القرآن * خلق الإنسان* علّمه البيان}
{ وعلّم آدم الأسماء كلها ثمّ عرضهم على الملائكة
فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين }
[31 البقرة ]
{6}بحر البعد السادس:الصفة العظيمة الخامسة: {المريد}
قال جلّ وعلا:
_________________________________________
{ كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أُعرف فخلقت الخلق
> فتعرفت إليهم <
فبي عرفوني}
_________________________________________
6- { فتعرفت إليهم }
البعد السادس ، منطقة الأمر كن. بلورة العلم الشامل الكامل علي خريطة الإرادة الحكيمة في سبيل تنفيذ القضاء على راحة يد القدر وذلك بظهور الأشكال والألوان قيد المحسوس :
{ إنّما أمرُه إذا أراد شيئاً أن يقول له كُن فيكون }
[82 يس]
عالم الإرادة برزخ بين العلم والقدرة. كما يمكن أن يقال بأنه بمثابة الفؤاد لهذا الثالوث
{ علم فإرادة فقدرة } مربوطة بحرف فاء الأمر الذي تطبيقه كلمح بالبصر، ذلك لأن كل هذا الثالوث منضوي في أي من أركانه الثلاثة. فالإرادة والقدرة هما تنزل العلم. والعلم مكنون به القدرة والإرادة. ثالوث بعضه من بعض.
كما يمكن أن يقال بأن هذا البعد هو موطن الحاسة السادسة ( الفؤاد) وهو كما سبق وورد ذكره في غير هذا الموضع ، أنه الحجاب الحاجز بين العقل بحواسه الخمس ، والقلب
( الحاسة السابعة ) والقلب هو الكل الذي لا يتجزأ .هو موطن الحكمة الحكيمة المبرأة عن الهوى.هو بيت الرب وكفى.
{7}بحر البعد السابع:الصفة السادسة العظيمة:{ القادر}
قال جلّ وعلا:
_________________________________________
{ كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أُعرف فخلقت الخلق فتعرفت إليهم
> فبي عرفوني <}
_________________________________________
7- { فبي عرفوني }
البعد السابع هو خلاصة التبلور لجميع الأبعاد السبعة . هو موطن { فيكون } من معنى الآية الكريمة
{ إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون }
[ 82 يس ]
هو عالم الصور والألوان والأشكال. هو :
{ ثمّ أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين }
[ 14 المؤمنون ]
وكون هذا البعد أنه السابع فلا يعني ذلك أنه الأخير. ذلك لأن كل الأبعاد منضوية في أي منها.فليس هناك أول محدد كما أنه ليس هناك آخر يُبلغ. وإنما هو {الله} الأول والآخر الظاهر الباطن وهو مابين ذلك قائما بالقسط لا إله إلا هو الحي القيوم ألعليّ العظيم.
وكما ورد في المقدمة أعلاه فإن أسماء { الله } على إطلاقها هي ماهية كل وأي منها.
سباعية البحور السبعة
البحور السبعة،الأبعاد السبعة أو أيام {الله} السبعة ، هي سبعة انبجست أو لعلها انفجرت من أحد واحد صمد.تنزّلت تتجلّى على انجلاء مساره لولب يتقلّب على سبع دورات ، سبعة بحور ، سبعة أبعاد أو سبعة أيام ٍ استوى الرحمن على العرش في سابعها.هذا اللولب السباعي الحلقات ،في كل حلقة منه مسارات سبعة ، وفي كل مسار دورات سبعة ،وفي كل دورة حلقات سبعة ، وفي كل حلقة درجات سبع ، ويتنزّل هذا المنوال السباعي نحو الدقة حتى يعجز التصور عن التعداد.
كلمة {الله}
كلمة التوحيد : { لا إله إلا الله } قال عنها محمد بن عبد {الله} النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم :
( خير ما جئت به أنا والنبيّون من قبلي { لا إله إلا الله} )
هذه الكلمة الطيبة هي محور الإسلام.
{ ألم تر كيف ضرب الله مثلاً
كلمة طيّبة كشجرة طيّبة أصلها ثابت وفرعها في السماء*
تُؤتي أُكُلها كلّ حين بإذن ربّها
ويضرب الله الأمثال للنّاس لعلّهم يتذكّرون }
[25 إبراهيم]
{ لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لّرأيته خاشعاً مّتصدّعاً من خشية الله
وتلك الأمثال نضربها للنّاس لعلّهم يتفكّرون }
[21 الحشر]
هذه الكلمة الطيبة تعني أن الوجـود كله، جميعه هو من صنع {الله} كلّ كبيرة أو صغيرة، كلّ فعل أو انفعال.وأنه لا علم غير علم {الله}.وأنه هو المتفرد بالإرادة وبالقدرة. لا إلا {الله}. و[ لا ] تحذف [ إلا]
{ كلّ مّن عليها فان* ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام }
[27 الرحمن]
يبقى {الله} الملك المهيمن العزيز الجبّار. وحدانيـة مطلقة ، واحد أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد . لا تعدد ولا غيرية.
وإنّي لأعجب ممّن يُسمون ويُعرّفون بعلماء التوحيد. وأعجب من ذلك أن يدرّس ما يُسمّى بعلم التوحيد في المدارس المختلفة. والعجب العجاب هو أن تُعطى درجات عليه!! وتصدر شهادات بذلك!!
التوحيد ليس ممّا يُكتسب وإنّما هو هبة من {الله} لمن استخلصهم واصطفاهم من عباده. التوحيد هو حالة اطمئنان ورضاء ويقين تام لا يتطرق إليه الشك بأنه:
{ لا إله إلاّ الله }
{الله} وحده مالك الملك لا شريك له ، هو الّذي يُحي وهو الّذي يُميت ، هو الّذي يُعطي وهو الّذي يمنع ، هو الّذي يهدي وهو الّذي يُضلل .
{ من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليّاً مرشدا }
[17 الكهف]
له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير.
والتوحيد ينعكس على السلوك وعلى الخلق ثقة بتدبير {الله}، توكلاً وكرماً وإيثاراً وشجاعة ورأفة ورحمة بالناس.أهل التوحيد هم من اجتمعت لديهم هذه الصّفات العظيمة.
وأعظم من اجتمعت له صفات الموحدين هو سيد الأنام محمد بن عبد {الله} النبيّ الأميّ عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم. قال:
( لو توكلتم على {لله } حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير
تغدو خماصاً وتروح بطانا)
وقال عليه الصّلاة والسلام:
( خالق غدٍ يأت برزق غدٍ كلّ غدٍ)
ولم يكن ذلك ليس إلا قولاً؛ وإنما كان قولا وفعلاً.كان سمت حياة تُعاش لحظة بلحظة تجسد وحدانية مطلقة من كل وجميع قيود الخوف والانقسام.
لا اختلاف نوع في الوجود
لا يوجد في الوجود أي اختلاف في النوع على الإطلاق.
وما نشاهده بعقولنا القاصرة إنما هو الاختلاف في الكم؛ في مقادير تجلّي الواحد الأحد للبصائر والأبصار.
المادة قبل أن تبرز إلى حيّز المحسوس كانت علماً. فالعلم هو أصل المادة. وجميع علاقات الفعل والانفعال على إطلاق المسألة؛ هي علاقات كمية في النوع الواحد في الجنس الواحد. الحياة برزت للوجود نتيجة علاقة جنسية بين الماء والتراب. فالماء والتراب من نوع واحد:
{ أو لم ير الّذين كفروا أنّ السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما
وجعلنا من الماء كلّ شيء حيٍّ أفلا يُؤمنون }
[30 الأنبياء]
{الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور
ثم الذين كفروا بربهم يعدلون*
هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلاً وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون*
وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون*
[3 الأنعام]
والقيمة المنفوسة الموجدة والمحرّكة للنوع حتى يتفاعل هي:[ الحب ].
قال تبارك وتعالى في حديث قدسي:-
{ كنت كنزاً مخفيّاً فأحببت أن أُعرف
فخلقت الخلق فتعرّفت إليهم فبي عرفوني }
أول الظهور من الخفاء البهيم، وأول التجلّي لذات العظيم هو الحب.
الحب هو أعلى قيم الحياة. ومظهر هذه القيمة؛ أو بعبارة أخرى، الشكل المحسوس لها هو:- [ الجمال ]
الجمال هو أعظم نعمة يمنّ بها الخالق تبارك وتعالى على خلقه. والجمال يتجلى في الحس وفي المعني: في الهيئة وفي الخلق.
أجمل ما خلق {الله}
هو نبيّنا وسيدنا وحبيبنا وغرّة أعيننا وريحانة فؤادنا
مخلصنا وشفيعنا يوم يقوم الحساب
محمد بن عبد {الله}
عليه أفضل الصّلاة وأتم التسليم
صلاة وسلاما دائمين متلازمين بقدر عظمة وجمال اسم {الله} الأعظم.
فقد كانت هيئته عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم تكسف البدر ليل تمامه. أما خلقه
( كان خلقه القرآن )
وكما أن السبيل لأول التجلّي العظيم هو الحب، فإن سبيل الرجوع إلى العظيم المتجلّي هو أيضا الحب.
{ قل إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني
يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم
والله غفور رحيم }
[ 31 آل عمران]
ومن الحب ولأجل الحب تنبعث المغفرة. فالمغفرة لازمة من لوازم الحب.
___________________________________________
{ نبّئ عبادي أنّي أنا الغفور الرحيم }
___________________________________________
[49 الحجر]
والحب يوجب الإتّباع. قالت رابعة العدوية :
أحبك حبين ؛ حب الهوى ؛ وحب لأنك أهل لذاك
فأما الذي هو حب الهوى فشغلي بذكرك عمّن سواك
وأما الذي أنت أهل له فكشفك الحجب حتى أراك
وقد قلنا :-
عفّ النفس عن عبث الغلمان طفلا كذاك كان صباه
الصـدر شُقّ تطهراً والقلـب أُخرجت عنه ســوداه
والخير عـمّ أينـما استشـرف الأين تحت أقدام مولاه
أَحـبّه ولأجلـه: أحبّ عبـاده فيا سعـد من حبّـاه
وأُحبُّـه لا أدّعي وإن ادّعيت فلن أشقى بدعواه
فأكلـف به أو تكلّف حبه فإنك حتما تسعد بذكـراه
الحب و الجنس هما وجهان لعملة واحدة.
الفرق بين واحد والآخر إنما هو فرق في المقدار فحسب.
ألذات الإلهية؛ تعالت وتنزهت عن الوصف والتسمية مطلقة لا تدركها العقول.
والاسم الجنس أو قل النوع: قيمة مقيدة تنزّلت عن الإطلاق و لا مكان للغيرية.
{ فإذا سوّيتـه ونفخت فيه من رّوحي
فقعوا له ساجدين }
[29 الحجر]
المسيح ؛ عيسى بن مريم عليهما السّلام ، هو روح {الله} ، هو كلمة {الله}.
الروح القدس أرسل جبريل عليه السلام فنفثها في روع مريم عليها السلام فتسامى الحب فيها حتى إذ بلغ ذروته؛ انفعلت فحملت فولدت ابناً شرعياً لهذه العلاقة السامية.
وهكذا وعلى قرار هذا الانفعال برز آدم الخليفة عليه السلام عن آدم الخليقة الذي سوّاه {الله} أولاً؛ ثمّ نفخ فيه روحه القدس.
قال تبارك وتعالى :
{ وإذ قال ربّك للملائكة إنّي خالق بشراً مّن صلصال مّن حمإٍ مّسنون*
فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين }
[ 29 الحجر]
سوّاه أولاً بشراً من صلصال من حمإٍ مسنون وهذا هو ( آدم الخليقة ).
ولما أراد تبارك وتعالى أن يجعله خليفة نفخ فيه من روحه، تماما كمثل ما نفخ في مريم عليها السلام. فجاء عيسى كما جاء آدم الخليفة عليهم السلام. ومعلوم أن العطف ب (ثمّ) يفيد التراخي في الزمن. وكذلك العطف بالواو. ولكن لعل الواو زمنه أسرع من زمن ثمّ. قال تعالى:
{ فإذا سويته و نفخت فيه }
لم يقل ثم نفخت فيه . كذلك لم يقل: فنفخت فيه. ذلك لأن العطف بالفاء تعني البعدية المباشرة وسرعة تحقيقها كلمح البصر.
سرعة تحقيقها كما في قوله تبارك وتعالى:
{ إنّما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون }
[ 82 يس ]
يكون حالاً في التو واللحظة.
قال جلّ وعلا:
{ وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر }
[ 50 القمر]
البصر هنا على التحقيق ليس كبصر المخلوق في لمحه. ونسوق مثلاً لمزيد من الإيضاح
قال تبارك وتعالى :
{ وقال الذي عنده علم من الكتـاب
أنا آتيـك به من قبـل أن يرتد إليك طرفك }
[ 40 النمل]
فإن كان هذا أمر مخلوق عنده علم من الكتاب، فما بالك بمن له الخلق والأمر و{لله} المثل الأعلى:
{ سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون }
[180 الصافات]
{ ألا له الخلق والأمر تبارك الله ربّ العالمين }
[ 54 الأعراف]
الروح المنفوخة تعني العلم.
وقد هيأ {الله} تبارك وتعالى ( آدم الخليقة ) ليكون خليفة بما علمه من علم.
قال :
{ وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة
قالوا أتجعل فيها من يفسـد فيها ويسفك الدماء
ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك
قال إني أعلم ما لا تعلمون }
[ 30 البقرة]
قول الملائكة المكرمين ذاك لا يدل على علم غيب بما سيفعله آدم الخليفة في الأرض، وإنما يدل على سابق علم بما فعله آدم الخليقة الذي سبق خلقه في مرحلة ما قبل نفخ الروح [ العلم ] ثم جاء آدم الخليفة عليه السلام بما علمه {الله} .
جبريل عليه السلام هو واسطة النفخ؛ هو الروح الأمين المنفوخ النافخ في صور العالمين. قال تعالى:
{ وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة
فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين }
[ 31 البقرة]
فالنفخ يعني هنا التعليم والروح المنفوخة تعني العلم. والأمر كما كان في شأن آدم الخليفة عليه السلام هو كذلك في شأن خلق عيسى عليه السلام والفرق في الدرجات. آدم عليه السلام جُعل خليفة نبياً. وجعل عيسى عليه السلام نبيّاً ناطقاً بالعلم حال خروجه من رحم أمه عليهم السلام:
{ قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيّا }
[ 30 مريم]
والقول القاطع في صحة هذا الأمر هو قول {الله} تبارك وتعالى :
{ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون }
[ 59 آل عمران ]
أنظر إلى هذه البلاغة المتناهية الإبداع. قال:
{ كن فيكون}
ولم يقل كن فكان ، كما هو متوقع من السياق باعتبار الحدوث في الماضي.
ذلك لأن الأمر مستمر التكوين ولا ينتهي إلا عند {الله} حيث لا حيث وعند لا عند.
ومما ينجلي عن هذا هو أن الحياة سابقة ونفخ الروح لاحق. فالروح ليست الحياة ولا تختلف عنها اختلافاً نوعياً وإنما هو اختلاف في الدرجات.
الحياة والإحياء والخلق معانٍ بعضها من بعض؛ ثم الروح والعلم والأمر كذلك بعضها من بعض.
قال تعالى:
{ ألا له الخلق والأمر تبارك الله ربّ العالمين }
[54 الأعراف].
العلاقة بين رموز الاختلافات في المقدار هي كما سبق ذكره: علاقة جنسية وأسميناها جنسية لأنها علاقة تفاعل في الجنس الواحد.
الصلاة علاقة جنسية بين العبد وربه. الرب فاعل والعبد منفعل . وإنما ينفعل بروح {الله} التي تنفخ فيه.
( الصلاة صلة بين العبد وربه )
هكذا وصفها النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
قال {الله} تبارك وتعالى:
{ إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري }
[14 طه].
وإن كان الحب هو أعلى قيم الحياة، فإنّ الصلاة هي أعلى صور تفاعل هذه القيمة؛ وهي أنجع وسيلة موصلة بين قطبي التفاعل : الرب والعبد ؛ و{لله} المثل الأعلى.
هي وسيلة تحقيق قمة اللذة والمتعة وذلك عند لقاء الحبيب حبيبه والاجتماع به.
كان صلى {الله} عليه وسلم يقول :- ( أرحنا بها يا بلال )
وعن تحقيقه ، صلى {الله} عليه وسلم لذروة المتعة بالصلاة وفي الصلاة قال :
( ليلة عُرج بي انتسخ بصري في بصيرتي فرأيت {الله} )
وعن هذا المعنى ورد قول {الله} جلّ وعلا :
{ إذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى *
لقد رأى من آيات ربه الكبرى }
[ 18 النجم]
ما رأى إلا بعد أن خلع نعليه وألقى عصاه.انتسخ البصر في البصيرة فما زاغ وما طغى.
وذلك يعني أن العقل توقف عن الاجتهاد في التفكير؛ امتنع عن الزوغان والتذبذب بين طرفي نقيض.توحد فبلغ ذروة الوجد، وحقق قمة الذكر فما عاد ذاكر ومذكور وإنما الذكر الذاكر المذكور. قال تعالى:
{ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتّى يتبيّن لهم أنّه الحق
أو لم يكف بربّك أنّه على كلّ شيء شهيد }
[53 فصّلت]
الآيات في الآفاق والآيات في النفوس وجهان لعملة واحدة. الصلاة هي آية آفاق العلاقة الجنسية بين أزواج مطهرة. ولهذا خُصصت العلاقة الزوجية وأُحيطت بتقديس وتوقير لا تدانيها فيه أي علاقة تفاعل أخري بين الناس. و لقد شُرّعت عقوبة خرق هذه العلاقة على أشد ما تكون عقوبة. ذلك هو الرجم. و معروف أن الرجم لا تدانيه فظاعة أي عقوبة إعدام أخرى. الشنق، القطع بالسيف، الصلب أو حتى كرسي الكهرباء؛ كل صور القتل هذه ليست بقسوة الرجم. وبنفس القدر من الشدة الذي شُرّعت عليه العقوبة، شُدد في شروط إثبات الإدانة، بل كاد المُشرّع الحكيم أن يقول بأن إثبات هذه الإدانة شبه مستحيل؛ إلا أن يعترف مقترف الإثم بنفسه. ولا نعرف أن هذه العقوبة قد نُفّذت في العهد الأول إلا على تلك المرأة التي جاءت النبي عليه أفضل الصّلاة وأتم التسليم تعترف له بجرمها. وهناك تجلّت رأفة من أُرسل بالمؤمنين رءوف رحيم عليه أفضل الصّلاة وأتم التسليم: أشاح بوجهه الكريم عنها يريدها ألاّ تكمل اعترافها وأن تستمر في حياتها وقد أسدل {الله} الرءوف الرحيم عليها ستره.
وبعد أن أكملت المرأة اعترافها صرفها عليه الصّلاة والسلام حتى تضع حملها. وبعد أن وضعت حملها وجاءت صرفها لترضع وليدها حولين كاملين. وكان لها ألاّ تعود ولكنها عادت فأُقيم عليها الحد. وذهبت إلى ربها طاهرة مطهّرة بطهارة لا تدانيها طهارة.
وكما أن ذروة المتعة في الصلاة لا تتأتى إلا بتوقف العقل عن الزوغان؛ فإن ذروة المتعة في العلاقة الجنسية لا تتم والعقل مشتت. بل أن كمال انتصاب الرجل لا يكون والعقل منقسم. كذلك ذروة العلاقة الجنسية والتي تتحقق عند القذف سواء عند الرجل أو عند زوجه لا تتم إلا عند توقف العقل عن الزوغان تمام التوقف وهنا قمة اللذة ونهاية المتعة وذروة الحب.
ومن أجل هذا ربط النبي الكريم علاقة الجنس بالصلاة حين قال:
(حبب إلي من دنياكم ثلاث النساء والطيب وجعلت غرّة عيني في الصلاة )
قال تبارك وتعالى :
{ وتلك الأمثال نضربها للنّاس وما يعقلها إلا العالمون }
[ 43 العنكبوت]
{ وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون }
[ 21 الحشر]
العلاقة الجنسية بين الزوجين الشرعيين هي آية النفوس التي ضربت أو قل جعلت مثلاً وبياناً عملياً لكيفية انتساخ البصر في البصيرة الذي يسعى المصلي لتحقيقه.
قال تعالى :
{ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم
حتّى يتبيّن لهم أنّه الحق
أو لم يكف بربّك أنّه على كل شيء شهيد }
[53 فصلت]
وقال :
{ ومن آياته أن خلق لكم مّن أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها
وجعل بينكم مودّة ورحمة
إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون }
[ 21 الروم]
ولقد أُعد محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم إعداداً رفيعاً.
حُفظ علي فطرته منذ مولده يتيماً أميّاً صادقاً أميناً صافياً صفاء الماء القراح ساذجاً سذاجة الفطرة الإلهية حتى إذ ما استعد المكان فيه:
{ فإذا سويته }
جاءه الروح الأمين بروح {الله} فبُعث نبيّاً وجُعل رسولاً للعالمين.
{ ونفخت فيه من روحي } هو ، صلى {الله} عليه وسلم ، هو كلمة {الله} أرسلت بشراً ، دماً ولحماً ؛ حساً ومعنى ليكون مشهوداً شاهداً.
سُئلت عنه السيدة عائشة أم المؤمنين رضي {الله} عنها وأرضاها فقالت:
[ كان خُلُقه القرآن ]
القرآن العظيم ؛ ومحمد النبي صلى {الله} عليه وسلم ؛ وجهان لروح {الله} . الفرق بينهما في المقدار.
فكما انبثق آدم الخليفة عليه السلام من آدم الخليقة؛
وكما انبثق عيسى من مريم عليهما السلام؛
كذلك انبثق القران من محمد عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم. وجبريل عليه السلام هو النافخ المنفوخ في الصور.
القرآن هو حقيقة محمد صلى {الله} عليه وسلم ؛ ولقد برزت هذه الحقيقة نتيجة التفاعل في الجنس الواحد . اختلى محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ؛ بربه ؛ فانطبقت ، أو لنقل تفاعلت آيات آفاقه بآيات نفسه : بالحب .
أحب ربه [نفسه العليا ] فتزاوجت النفوس وأنجبت هذا العلم – كلام {الله}
{ وإذا النفوس زُوّجت }
[ 7 التكوير]
مثل ما أنجبت العذراء مريم عيسى ، عليهما السلام .
المسيح عيسى عليه السلام هو كلمة {الله} ؛ والقران المعظّم هو كلام {الله} والاختلاف بين ذاك الجسد وهذا العلم إنما هو اختلاف مقدار. ولأن محمد صلى {الله} عليه وسلم ذكراً انفعل فأنجب علماً.
ولأن العذراء أنثى؛ انفعلت فأنجبت جسدا عالماً. والفرق في المقدار.
ولعل هذا يؤشر لنا ويكشف الفرق بين العبد والرب، الروح والجسد و القلب والعقل:
{ ولعلهم يتفكرون }
قال النبي محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:
( إن{ الله} خلق آدم على صورته )
صورته هذه تعني : صفة {الله} الكائنة المتكونة ألمكونه . وهي أنه تبارك وتعالى:
العالم المريد القادر
وقد خلق آدم عليه السلام : عالماً مريداً وقادراً . فإن كان الحال هكذا ؛ فلماذا خلق {الله} تبارك وتعالى آدم على صورته ؟ . (خلق {الله} آدم على صورته )
لأنه أحب نفسه تباركت وتعالت. [ و{لله} المثل الأعلى ] فأراد أن يراها؛
فصوّرها ليراها:
{ كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أُعرف
فخلقت الخلق فتعرّفت إليهم فبي عرفوني }
أحب أن يُعرف. يعرف ممن ؟ وهل هناك إلا هو ؟ وهل عرفوه إلا به .
{ فبي عرفوني }
ولنسوق مثلاً ؛ و{لله} المثل الأعلى ؛ ماذا يفعل من أعجبته نفسه ؟ ألا ينظر في المرآة ليراها ؟ هكذا ؛ و{لله} المثل الأعلى :
أحب أن يرى نفسه فنظر إليها في مرآة نفسه فرآها .
قال النبي صلى {الله} عليه وسلم: ( المؤمن مرآة أخيه ) أو كما قال .
وفي هذا إشارة لطيفة إلى ما ذهبنا إليه من معنى .
أو ليس { المؤمن } من أسماء {الله}.
يتبع ( إكسير الحياة )