[color=darkblue]]لســــان العصــــر
{وَمَن أحسَنُ دِيناً مِّمَّن أَسلَمَ وجهَهُ لله وهُو مُحسِنٌ
واتَّبَعَ مِلّةَ إِبرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتّخَذَ اللهُ إِبرَاهِيمَ خَلِيلاً}
(125 النساء )
سلسلة لسان العصر
في سبيل تكوين تجمع العصر لتعظيم سيد العصر
محمد بن عبد {الله}
عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم
[]إنطلاق دعوة التصحيحتقديم : يوسف هاشم محمد نجم
تـنويه
{ بسم الله الرحمن الرحيم }
ورد على غلاف هذا الكتاب بأنه تقديم:-يوسف هاشم محمد نجم.نرجو التنويه بأن كلمة تقديم وردت بدلاً عن كلمة: ( تأليف ) أو (المؤلف ).ولقد قصدنا بإيراد كلمة ( تقديم ) بدلاً عن كلمة (تأليف ) أن نؤكد أن المؤلف الحقيقي هو
{ الله }
وما نحن إلاّ أداة تقديم لإلهامات وردت على الخاطر من لدن العالم المعلّم الأول و الآخر :
{الله}
خالق كل شيء وهو الواحد القهّار.
{والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبُلنا وإنّ الله لمع المحسنين }
[ 69 العنكبوت ]
{ما على المحسنين من سبيل والله غفورٌ رحيم}
[91 التوبة ]
ماذا نعني بتجمع العصر
{ بسم الله الرحمن الرحيم }
الاسم :-
تجمع العصــــر لتعظيم سيد العصر
سيد العصر هو صاحب المقام المحمود عليه أعظم الصلاة وأتم السلام، هو الذي سيأتي ليملأ الأرض عدلاً، سلاماً وأمناً على ميزان المحبة والرحمة.و ليس للمقام المحمود من صاحب غير سيدنا وحبيبنا وغرّة أعيننا محمد بن عبد {الله}عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.و معنى تعظيمه هو أن نعمل على تمهيد طريق قدومه المنتظر.
ولقد طلب منا عليه أفضل الصلاة وأتم ألتسليم أن ندعو له عند وفي كل وقتٍ رُفع فيه النداء بالطلب لفتح أبواب السماء لتحقيق الصلة بالرب أن نقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاةالقائمة آتي محمداً الوسيلة والفضيلة وأبعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد.
والوعد كان قد جاء هكذا :
{ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربّك مقاماً محمودا }
[79 الإسراء]
المرشد:-
هو محمد بن عبد {الله}
النبي الأميّ المبعوث رحمة للعالمين كافة عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم
الأعضاء:-
هم كافة العالمين من إنس و جن. الطفل والطفلة، الصبي والصبية، الشاب والشابة، الذكر والأنثى.المسلم، المسيحي،اليهودي، البوذي الهندوسي الزرادشتي، الكنفوسيوشي، الماركسي وجميع من هم بخلاف ذلك من أمة {الله} الذين وسعتهم رحمة الرحمن.
المقر:
في كل بقعة مباركة من أرض {الله} الواسعة
وفي قلب كل عبد من عبيد {الله} يسكنه الرب.
المركز الرئيسي:
يُشيّد أعظم مبنى بعد الكعبة المكرّمة والمسجد النبوي المشرّف والمسجد الأقصى المبارك فوق البعد الرابع من على وجه الأرض في البقعة المباركة حيث التقى موسى العقل بالخضر القلب في مقرن النيلين في الخرطوم ليكون مركز الانطلاق لتعظيم النبي محمد بن عبد {الله} والدعوة لتطبيق منهاج السنة النبوية المشرفة.ثم بعد ذلك لاحقاً ليكون مقراً للحكومة العالمية، وبناء على ذلك يجهز هذا المبنى بحيث يلبي أغراض ذلك بصورة شاملة.هذا البنيان يجب أن يشمل استوديوهات للبث التلفزيوني والإذاعي والاتصالات وقاعة مؤتمرات عالمية كبرى بالإضافة إلى المرافق الضرورية لخدمة العاملين.
الدستور:
هو قول النبي محمد بن عبد {الله}عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:
( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)
(راجع كتابنا: دستور الإنسان المعاصر)
وعليه فإن هذا التجمع ليس بحزب سياسي ولا بطائفة دينية، ولا برابطة إقليمية.
شعار هذا التجمع:
قول {الله} تبارك وتعالى وقوله الحق المبين :
{ لا إكراه في الدّين قد تّبيّن الرّشد من الغيّ
فمن يكفر بالطّاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى
لا انفصام لها والله سميع عليم }
[256 البقرة]
آلية الدعوة:
{أدعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة
و جادلهم بالتي هي أحسن
إن ربك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين}
[125 النحل]
{بسم الله الرحمن الرحيم }
والصلاة والسلام على محمد خاتم الأنبياء وآله
وعليه وهو أحمد خاتم المرسلين وعلى من يجيء الخليفة بعده المهدي الإمام عليه السلام.
تصحيح عقيدة الشيعة
البيان الأول
إلى الذين هم على مذهب الشيعة.
السلام علينا وعلى من اتّبع الهدى ورحمة {الله} وبركاته.
إن ربّنا وربّكم لواحد هو {الله} الذي خلجات نفوسنا بيده لا إله إلا هو العزيز الحميد.و أن الدين لواحد وهو عند {الله} الإسلام.وأن القلب من دين الإسلام هو السلام.لكل شيء قلب.و قلب القرآن ي س و ي س لها قلب وهو قوله تبارك وتعالى {سلامٌ قولاً من رب رحيم}.
ولعل أن العبارة المقدسة {عند الله} تعني أن المقبول والمعتبر من قيم الخير هو التعامل بين الناس وفق قواعد السلام. و لعل أن على رأس هذه القواعد أصلها ومنبعها هو المحبة.
( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
الأديان كلها قامت على المحبة وهي التي بها ومن أجلها كان جلاء الكنز المخفي من بهموت خفاء الذات عظيمة العظمات.
قال دين النصارى:
( أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم وصلوا من أجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم)
وقال دين الإسلام:
( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )
دين الإسلام هو السلام. والسلام هو دين الخلائق جميعها
{ تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن ّ
وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم
إنه كان حليماً غفورا}
[44 الإسراء]
اليوم وبحكم الوقت من واقع الإرادة الإلهية الحكيمة يجب أن تكون الدعوة لدين الإسلام بالحوار المرسل على التي هي أحسن. فالراية المرفوعة ترفرف فوق الرءوس مكتوب عليها { لا إكراه في الدين }وخارطة طريق الدعوة لدين الإسلام السلام هي:
( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
إن سيدنا وحبيبنا علي كرّم {الله} وجهه رضي عنه وأرضاه الذي خلف النبي صلى {الله} عليه وسلم في فراشه يوم الهجرة إلى المدينة المنورة، هو والد سلالة الشرف المشرف بالنبوّة.هو والد الأشراف جميعهم في الحياة الدنيا.
{ادعوهم لأبآئهم هو أقسط عند الله}
[4 الأحزاب]
وفي يوم القيامة يُنادى الناس بأمّهاتهم. و والدة الأشراف جميعهم هي فاطمة بنت محمد بن عبد {الله} عليهم أفضل صلوات {الله} وأتم سلامه.
فاطمة الزهراء الطهور المطهرة وأمّها الطاهرة خديجة بنت خويلد هما مواعين الشرف المُعلّى منبثقاً من نور الحقيقة المحمّديّة المشرفة ببداية الخلق ( أول ما خلق {الله} نور نبيك يا جابر).
محمد عليه أفضل الصلاة وأتم السلام هو الأول في الخلق والأول في النبوّة (كنت نبيّاٍ وآدم بين الماء والطين) وهو خاتم النبيين وهو صلى {الله} عليه وسلم سيكون إمام وخاتم المرسلين الذي لمّا يأت بعد واسمه أحمد عليه وعليه محمّد أفضل الصلاة وأتم التسليم.وأمّته التي سيبعث فيها مقاماً محموداً هم خلق {الله} جميعهم؛إنسهم وجنّهم وكل شيء.ويقوم بنيان دعوته وتفاصيل شرعته على رحمة الرحمن التي وسعت كل شيء.
إن الإمام الذي تعتبرونه غائباً وتنتظرون عودته بفارغ الصبر ما غاب عن أمّته طرفة عين.وهو هو محمد بن عبد {الله} عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم.ولقد ظل في كنف الملأ الأعلى لأربعة عشر قرناً من الزمان يتطلّع لوقت البعث الثاني يوم قيامته على المقام المحمود.ولعل أن المقام المحمود هو الذي توقف دونه جبريل عليه السلام على رأس المعراج فقال
( هذا مقامي ولو تقدمت خطوة لاحترقت)
وسيتنزّل هذا المقام المنور إن شاء {الله} وبفضلٍ من عنده ليكون كما كان في السماء يكون كذلك على الأرض.ويعود الإمام خاتماً للمرسلين واسمه أحمد عليه السلام.
{وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل
إني رسول الله إليكم مّصدّقاً لما بين يديَّ من التوراة
و مبشّراً برسولٍ يأتي من بعدي اسمُهُ أحمد
فلمّا جاءهم بالبيّنات قالوا هذا سحرٌ مبين}
[6 الصّف ]
وللمزيد من التأكيد نقتبس هنا ما جاء بكتاب لسان العصر :
( خطرات وإلهامات الحيرة )
تحت عنوان:
من منطق المعرفة البديهية
1+1=2
* أن رسول آخر الزمان عليه السلام من سيأتي ليملأ الأرض عدلاً سلاماً وأمناً ، يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ؛ هو لا بد أن يكون نبيّاً يُرسله رب العالمين.
* وبما أن النبوّة المشرّفة قد خُتمت ؛ وأن لا نبي يجيء مرسلاً إلى العالمين بعد محمد عليه أفضل الصلاو وأتم التسليم ، فإن منطق العلم الظاهر البديهي يقول بأن رسول آخر الزمان عليه السلام لن يكون رجلاً غير محمد عليه الصلاة والسلام من سيأتي ليكمل رسالات ربه.ودليل ذلك قوله صلى {الله} عليه وسلم بأن نسأل {الله} له مقام الوسيلة الذي لم يكن قد تنزّل على الأرض بعد ، وذلك بالدعوة له عند رفع كل أذانٍ وقيام كل صلاةٍ فنقول ( {اللهم} ربّ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمّداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد.)
* أفلا يدل ما تقدم على أن البعث في المقام المحمود ما زال أمامنا ؛ هو لمّا يأت بعد لإرساء موازين القيم ونشر قواعد الخلاص لكل المستضعفين في الأرض.
* ولقد تحدث رب العالمين على لسان عيسى عليه السلام فقال:
{وإذ قال عيسى بن مريم يا بني اسرائيل إني رسول الله إليكم
مصدّقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسولٍ يأتي من بعدي اسمه أحمد
فلما جاءهم بالبيّنات قالوا هذا سحر مبين}
[6 الصف]
*ونحن نعلم بأن الذي جاء هو محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم،وأن من أسمائه أحمد إلا أنه خُوطب من قِبل الحق عزّ وجلّ باسمه محمد عليه الصلاة والسلام فقال جلّ وعلا:
{ محُّمّد رسول الله والذين معه أشدّاء على الكفار رحماء بينهم }
[29 الفتح] }
وقال أيضاً جلّ شأنه :
{مّا كان مُّحمّدٌ أبا أحدٍ مّن رّجالكم
ولكن رّسول الله وخاتم النّبيّن وكان الله بكل شيء عليما}
[40 الأحزاب]
قال {خاتم النّبيّن } وما قال : خاتم المرسلين.
وفي الختام الذي لا آخر له يجب أن يُقال بأعلى صوت : يا أيها الناس من هم على مذهب الشيعة :-
{ تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نُشرك به شيئاً
ولا يتّخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله}
[64 آل عمران]
تصحيح عقيدة الشيعة
البيان الثاني
المقدمة:
الحقيقة واحدة كُليّة مطلقة لا يُختلف عليها.غير أن الحق محدود متعدد والناس فيه يختلفون. وذلك لأن الحق هو وجهة نظر الناظر إلى المنظور. هو المقدار من المعرفة ما مكنه وما أدركه عقل الناظر المحدود من الحقيقة المطلقة. وكما أنه الوسع النسبي الذي تيسر للنفس أن تقبله من استشعار القيمة الكليّة للحقيقة المطلقة.
ولأهمية أن ندرك الفرق بين الحقيقة والحق ، ونحن نسمع كباراً من العلماء والفقهاء لا يفرّقون بينهما ، نورد فيما يلي مثلاً سبق وأن ورد في سلسلة لسان العصر في كتاب:
( رسائل السلام)
ضمن رسالتنا إلى علماء وفقهاء أمّة المؤمنين:
*- جيء بفيل عظيم . وجيء بأشخاص عُمي فوضعوا حول الفيل يتحسسونه .
ثم جُمعوا فأخبروا بأن ما كانوا يتحسسونه هو الفيل .
ثمّ سُئلوا أن يعرّفوا الفيل ؟.
قال الذي كان عند خرطوم الفيل بأن الفيل ثعبان.
وقال الذي كان عند رجل الفيل بأن الفيل شجرة.
وقال الذي كان عند صفحة الفيل بأن الفيل جدار.
أما الّذي كان يتحسس أذن الفيل قال بأن الفيل درقة.
هكذا هو اختلاف إدراك العقول حول الحقيقة الواحدة .
وهكذا تتجلى حقيقة الشريعة الواحدة علي الناس بقدر ما يمكن لعقولهم أن تدركه وتفرض عليهم التكليف بقدر طاقتهم علي التطبيق.
{لا يكلّف الله نفساً إلا وسعها}
هذه هي عظمة الشريعة السّمحة وهكذا يكون صلاحها علي مرّ الدّهور وذلك من حكمته ورحمته سبحانه وتعالى:
{ لا يكلّف الله نفساّ إلاّ وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت
ربّنا لا تؤاخذنا إن نّسينا أو أخطأنا
ربّنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته علي الّذين من قبلنا
ربّنا ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به
واعف عنّا واغفر لنا وارحمنا
أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين }
[286البقرة].
(إنتهى)
بطبيعة الحال لا يمكن لجميع الناس أن يجتمعوا على رؤية واحدة متساوية للحقيقة المطلقة. وهي أي الحقيقة ،مطلقة بمعنى أن شأنها هو من شأن صاحبها {الله} عزّ وجلّ الذي هو:
{يسئلُهُ من في السماوات و الأرض كل يومٍ هو في شأن}
[ 29 الرحمن]
ولعل أن ما يعزز هذا القول هو الآية الكريمة :
{نرفع درجاتٍ من نشاء وفوق كلِّ ذي علمٍ عليم}
[76 يوسف}
وهذه الآية الكريمة أيضاً:
{ يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء}
[255 البقرة]
والمشيئة متجددة مستمرّة الصيرورة إلى من إليه المنتهى { كل يومٍ هو في شأن}.
ولا يجتمع الناس جميعهم على رؤية واحدة للحقيقة لأنهم خُلقوا أفراداً لكلٍ منهم شرعه ومنهاجه الفردي الذي لا يشبهه فيه أي فرد آخر.
{لكلٍ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجا
ولو شاء الله لجعلكم أمّة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم
فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً
فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون}
[48 المائدة]
وذلك من كمال {الله} في خلقه فهو جل شأنه لا يُكرر ولا يتكرر فكل مثقال ذرة من خلقه فريدة ليس كمثلها شيء.ذلك من أسرار الحقيقة الإلهية عظيمة العظمات .
ونورد هنا ما جاء بسلسلة لسان العصر في كتاب ( دستور الإنسان المعاصر) عن أسرار الحقيقة الإلهية:
(( قبل أن نخوض في كيفية ومستوى التصحيح , لابد لنا من تبيين وإثبات المبادئ الأساسية والمرتكزات الثوابت الأزلية القائمة من قبل والآن ومن بعد ظهور هذه الأكوان على أديم الوجود الحسّي وهو ما يمكن أن نسميه { الأسرار الإلهية}.
{1}
أول هذه الثوابت هو أن الألوهية ؛ تباركت وسمت سمواً عظيماً
هي من الكمال بمكان أنها لا تكرر نفسها على الإطلاق .
فلا شيء في الوجود يشبهه شيء آخر بصرف النظر عن تعدد الصور والأشكال والمسميات .
الإنسان جُعل نموذجاً فيه انطوى العـالم كله . وفي هذا البنيان البشري لن تجد شعرة تشبه أخري، لا فيه ولا في جميع البشر الآخرين. أطرافه لا تشبه بعضها . باصمة إصبع لا تشبه أي باصمة إصبع آخر عنده ولا عند أيّ بشر آخر . كذلك نبرات حباله الصوتية لا تتطابق مع أيّ نبرات أخرى . بل ولعل أعجب ما يمكن أن يقال وما يشير إلى كمال الألوهية المطلق هو أن موسيقى نبرات الصوت وهي تخرج من مصدر واحد فإنها لا تتكرر ولا تتشابه إلى آخر ما يمكن تعداده من خصائص فردية.
{2}
ثانياً أنها من الكمال والعلم السابق المطلق بحيث أنها
لا ترجع عن حكم سبق أن أنزلته وحكمت به ؛ قضت به وقدرته.
{الله} سبحانه وتباركت أسماؤه، لا يغير رأيا رآه ؛ تعالى {الله} عن ذلك علواً كبيرا .
( رُفعت الأقلام وجفّت الصحف ) .
{3}
ثالثاً أنه لا يدخل في الوجود ولا يظهر في الحس أو في المعنى
إلا الذي أرادته وسبق به علمها .
وعليه فليس هناك أمر مستأنف ؛ فقد :
( رُفعت الأقلام وجفّت الصحف )
كلمة التوحيد :
{ لا إله إلا الله }
هذه الكلمة العظيمة تعني :
أن {الله} هو وحده خالق الكبيرة والصغيرة .
هو الهادي وهو الذي يضلل .
{ الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض
وجعل الظلمات والنور
ثم الذين كفروا بربهم يعدلون }
[ 1 الأنعام ]
هو الذي جعل الأنبياء والملائكة والرسل لغرض الهداية تنزلا من اسمه الهادي . وهو الذي جعل إبليس لغرض الإضلال تنزلا من اسمه الحكيم .
{ من يهد الله فهو المهتد
ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا }
[17 الكهف]
و بحكمة ما بين الهدى والضلال ينبثق معراج المعرفة يطلب تحقيق اسمه العالم . وكل ذلك وفق تسيير حكيم مطلق لخلقه في سبيل الرجعى إليه. إن ما نتوهم من خيار ما هو إلا ما كتبه {الله} لنا :
{ الله خلقكم وما تعملون }
[96الصّافات]
الحديث الشريف :
( من آمن
فقد آمن بقضـاء وقدر
ومن كفر
فقد كفر بقضاء وقدر
رُفعت الأقلام وجفّت الصحف )
قالوا: ففيم إذاً التعب يا رسول {الله} !؟
قال :
( اعملوا فكل ميسّر لما خُلق له )
{4}
رابعاً أن {الله} تبارك وتعالى القدوس السميع العليم الرحيم
ما أرسل الرسل ولا شرع الشرائع ولا فرض التكاليف إلا من أجل الإنسان .
إلا لمصلحة الإنسان . ليكشف له طريق الرجعى إليه .
ومن لم يلتزم هذا الطريق فقد جهل مصلحة نفسه وفقد الفائدة التي كان أن يستفيد منها شخصيّاً . قال تبارك وتعالى في حديث قدسي :
{ خلقت الأكوان للإنسان وخلقت الإنسان لي }
وقد جعل {الله} تبارك وتعالى الهدى وجعل الضلال نجدين ؛ سبيلين للإنسان يسير بالتقلب بينهم يطلب العودة إلى {الله} ؛ يطلب تحقيق الكمال ليعيش في جنّة الحب والجمال .
ولا يظنن أحد أن {الله} سبحانه وتعالى يحتاج من عباده أن يعبدوه؛ {الله} العزيز المقتدر غنيٌّ بذاته حميدٌ مُحبٌ لذاته تقدست أسماؤه.
قال :
{ إن تكفروا فإن الله غنيّ عنكم
ولا يرضى لعباده الكفر
وإن تشكروا يرضه لكم
ولا تزر وازرة وزر أخرى
ثمّ إلى ربّكم مّرجعكم فينبّئكم بما كنتم تعملون
إنه عليم بذات الصدور }
[7 الزمر]
وقال النبيّ الكريم عليه صلوات {الله} وسلامه :
( لو أنّ جميع أهل الأرض اجتمعوا على أتقى قلب أحدكم
ما زاد ذلك في ملك {الله} شيئاً
ولو اجتمعوا على أفجر قلب أحدكم
ما نقص ذلك من ملك {الله} شيئا )
أو كما قال.
{5}
خامساً أن {الله} سبحانه وتعالى هو الذي
جعل الهدى وجعل الضلال كذلك جعل الثواب وجعل العقاب .
قال تبارك وتعالى:
{ الحمد لله الّذي خلق السماوات والأرض
وجعل الظّلمات والنور
ثمّ الذين كفروا بربهـــم يعدلون }
[1 الأنعام ]
وقال الهادي جلّ جلاله :
{ إنا هديناه السبيل
إما شاكراً وإما كفورا }
[3الإنسان ]
للهدى أرسل الرسل عليهم السلام وعلى رأسهم سيدهم وخاتم النبوة محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم .
و أرسل إبليس و عليه لعنة من {الله} رسولاً للضلال.
باسمه الهادي جلّ وعلا أرسل الهداة وباسمه الحكيم , جلّ شأنه وحكمته أرسل إبليس .
قال النبيّ الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم :
( من آمن فقد آمن بقضاء وقدر
ومن كفر فقد كفر بقضاء وقدر
رُفعت الأقلام وجفّت الصحف )
من كُتب له الهدى جُعل له الثواب ؛ ومن كُتب عليه الضلال جُعل عليه العقاب . والثواب والعقاب من دواعي المحبة الصرفة من عند {الله} . ذلك أن وسائل العقل للتفكّر والتذكّر هما هذين النقيضين . وهما من أجل الإنسان. وذلك لأن العقل لا يتم له الإدراك إلا بالمقارنة بين نقيضين. فلولا النور ما أدرك الظلام . ولولا الحـلو ما أدرك المالح .
قال رسول {الله} صلى {الله} عليه وسلم :
( إن لم تُخطئوا وتستغفروا
فسيأتي الله بقوم يُخطئون ويستغفرون
فيغفر لهم )
ذلك أن المغفرة من دواعي المحبة الصرفة التي لأجلها وبها خلق {الله} الخلق . ولنضرب مثلاً؛ و{لله} المثل الأعلى :
الوالد يعاقب ابنه إن هو أخطأ . وما والد لا يحب ابنه . ولأنه يحبه يعاقبه على الخطأ ليهذبه ويُقوّمه , ليراه علي أحسن صورة من الاستقامة وحسن الخُلق . فالعذاب الذي يُعذّب به {الله} سبحانه وتعالى خلقه ما هو غير سبيل للتربية والتقويم وما هو إلا المحبة المطلقة .
ومن هنا يمكن لنا حسم مسألة التسيير والتخيير التي أعيت العلماء والفقهاء عبر التاريخ . الإنسان؛ قولاً واحد ؛ ليس له من الأمر شيء الآية الكريمة :
{ والله خلقكم وما تعملون }
[96 الصّافّات ]
قال المولى عزّ وجلّ :
{ إن كلّ من في السماوات والأرض إلاّ آتي الرّحمن عبدا*
لّقد أحصاهم وعدّهم عدّا *
وكلّهم آتيه يوم القيامة فردا }
[95 مريم ]
وقال الواحد الأحد {الله} الصّمد :
{ ولقد جئتمونا فرادا كما خلقناكم أول مرّة }
[94 الأنعام]
فهل للعبد إلاّ أن يسير وفق إرادة سيده؟!
الأمر {لله} وحده لا شريك له. وصاحب الأمر الواحد الأحد الصمد، هو صاحب القوة والقدرة القاهر فوق اختياره، هو المخيّر الأوحد الذي يختار ما يشاء كيفما يشاء ومتى يشاء.ولقد اختار، فيما كان وكائن ويكون،أن يتعرّف ليُعرف.قال:
{ كنت كنزاً مخفيّاً فأحببت أن أُعرف فخلقت الخلق فتعرّفت إليهم فبي عرفوني }
واختياره جل وعلا هو الإنسان.ومن أجل اختياره خلق الأكوان.
قال سبحانه وتعالى:
{ خلقت الأكوان للإنسان وخلقت الإنسان لي }
إذن فالمختار المحبوب الذي وقع عليه الاختيار هو الإنسان.وقولاً واحد لم يكن للمختار خيار في مسألة اختياره ليجعل خليفة في الأرض.
{ وإذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعلٌ في الأرض خليفة}
[30 البقرة]
ولأن عوامل هذا الاختيار كان محبة صرفة خالصة صافية وقع المختار ضحية هذا الدلال فتوهم بأنه يمكن أن يختار. وما وقع ذلك في باله إلا نتيجة ما اعتمل في نفسه من شقف ورغبة المحبوب في الاستئثار بكيان المحب جميعه.ولما تمكن منه هذا الوهم حسب أنه الرب الأعلى فطغى وتكبر.
{ كلا إن الإنسان ليطغى* أن رّآه استغنى }
[7 العلق]
{ فكذب وعصى * ثمّ أدبر يسعى * فحشر فنادى * فقال أنا ربّكم الأعلى }
[24 النازعات]
ولكنه لم يُترك سدى وإنما زرعت فيه بذرة الحنين إلى جنة المحبة الخالصة.فهو في غرار نفسه يعلم ويشعر ويحس فينفعل ويتفاعل بظلام ونيران فعل السوء. وهذا ما سُمي بالضمير.
وعن هذه البذرة التي غُرست فيه قال ربّ العزة والكمال:
{ ونفسٍ وما سوّاها * فألهمها فجورها وتقواها *
قد أفلح من زكّاها * وقد خاب من دسّاها }
[10 الشمس]
وعن هذه التسوية ورد قول الحكيم العليم:
{ وإذ قال ربّك للملائكة إنّي خالق بشراً مّن صلصالٍ من حمأٍ مّسنون *
فإذا سوّيته ونفخت فيه من رّوحي فقعوا له ساجدين }
[29 الحجر]
وعن مجريات وتطبيق معاملات التسوية قال تعالى:
{ إن سعيكم لشتّى *
فأمّا من أعطى واتّقى * وصدّق بالحسنى * فسنيسره لليسرى *
وأما من بخل واستغنى * وكذّب بالحسنى * فسنيسره للعسرى *
وما يُغني عنه ماله إذا تردّى *
إنّ علينا للهدى *
وإن لنا للآخرة والأولى }
[13 الليل]
وللمزيد من إجلاء لأمر التسيير المطلق للإنسان في سيره على طريق الرجعى إلى بحبوحة أنس المحب الأعظم نحاول كشف مجريات أمره في تقلبه على أرض خلافته.
إن من يملك خيارات حياته يملك القدرة على تنفيذها:
* هل يعرف متى وأين سيولد أو يعرف متى وأين سيموت؟
* هل يعرف ماذا سيكسب في يوم غده؟
* هل يقدر أن يسمع بأذنه الصوت بالموجات الأعلى والأدنى ذبذبة من الصوت بالذبذبة المتوسطة التي تسمع بها الأذن العامة الطبيعية؟
* هل يقدر أن يرى بعينه أبعد مما تسمح به مقدرة العين العامة الطبيعية على الرؤية.
* هل يقدر ألا يأكل ويشرب وألا ينام حتى نهاية عمره؟
*وهل يقدر أن يستغني عن الشمس؟
* هل يقدر أن يوقف الأرض أن تدور؟ وهل يقدر أن يجعلها تعكس حركة دورانها؟
* هو يقدر بالاستعانة بما توفر له من علم أن يطأ أرض القمر . فهل يقدر بكل ما أُوتي من علم ومقدرة أن يطأ أرض الشمس؟
* هو يقدر أن يرسل المركبات الفضائية إلى أبعد الكواكب عن الأرض. فهل يقدر بكل ما أُتي من علم ومقدرة أن يصل إلى نهاية الكون؟
* هل يستطيع أن يمشي فوق الماء بأرجله الطبيعية؟
* هل يستطيع أن يطير في الأجواء بجسده الطبيعي؟
* هو يقدر على إحصاء عدد البشر الأحياء فوق سطح البسيطة، وقد يقدر على إحصاء عدد الحيوان والطير المنتشر في أصقاع الأرض. فهل يقدر أن يحصي عدد النمل والحشرات الزاحفة والطائرة ؟ وهل يقدر أن يحصي عدد الأحياء ذوات الخلية الواحدة؟
* هل يقدر أن يمسك الريح أن تهب أو يقدر أن ينزل الماء من السماء مطراً؟
* هل يقدر أن يجعل النار غير حارقة؟
هذه بعض أمثلة لمجريات ومعاملات التسيير المطلق الذي يكتنف خليفة {الله} الإنسان على أرض خلافته فهل يمكن بعد كل هذا أن يكون له من الأمر شيء؟!!
{6}
سادساً أن البقاء {لله} وحده جلّ جلاله
الرحمن الرحيم ذو الجلال والإكرام رب العالمين مالك يوم الدين
{ كلُّ من عليها فان *
ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام }
[27 الرحمن]
فكل ما عدا وجه {الله} إلى فناء . فالكل راجع ، سائر وصائر لينتهي لمنتهى :
{ وأنّ إلى ربّك المنتهى }
[42 النجم]
ومن هنا وبناء على هذا التقرير الحكيم نطلع على فهم يفرض علينا أن ندرك معنى كان مستترا أو ربّما كان مؤجّلاً إدراكه لبعض حقائق أسرار الألوهية . ومنها مثلا معنى كلمة { الخلود } وكلمة { الأبد }
الخلود والأبد
كلمة الخلود تعني البقاء . فالخالد الذي لا ينتهي إلى فناء هو {الله} تبارك وتعالى.
أما كلمة الأبد فتعني الدهر. والدهر زمن مخلوق . ووجوده مرتبط بالمكان والمكان مخلوق . وكل مخلوق إلى فناء . والفناء مآله إلي الحي الباقي :
{ كلّ من عليها فان * ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام}
[27 الرحمن ]
الجنّة مكان . والنار كذلك مكان . وكلا المكانين يدخلان في معنى { كلّ من عليها } . وعليه فإن النّار فانية . كذلك الجنة مآلها الفناء . أهل النار سائرون فيها يتقلبون في سعيرها حتى يأذن لهم الرحمن فيدخلون الجنة . وبعد أن يخرج آخر أهل النار منها ، لا تجد النار ما تأكله فتأكل بعضها حتى تفنى . وعليه فإن عبارة : { خالدين فيها أبدا } لا تعني: إلى ما لا نهاية. وإنما تعني أنهم باقون فيها دهرا . غير أنه طال أم قصر هو إلى فناء .
وما منّا إلا وارد النار:
{ وإن مّنكم إلا واردها كان على ربّك حتما مّقضيّا }
[71 مريم]
والبقاء في النار مرهون بكثافة الحجاب . فمنا من يمر عليها كالبرق الخاطف . ومنا من تشدّه أثقاله فيقع فيها . ويلبث فيها ريثما يضع أوزاره ويتخلص مما شابه فيرفع عنه غطاءه ويدخل الجنة .
وأهل الجنّة كذلك سائرون فيها . يترقون علي سلم درجاتها يطلبون وجه {الله} . وهم كذلك حتى تفنى الجنة ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام .
هنا تلوح لنا لطيفة من لطائف اللطيف الخبير . السؤال :
ما هو وجه {الله} ؟ تبارك وتعالى علواً كبيرا !؟.
وجه {الله}
ما هو؟
وللإجابة على هذا السؤال نفتح صفحة خريطة سير الخير وسير الشر بكتاب اليومية المرقوم العام.هذا الكتاب يجري التسجيل عليه وفق معادلات حسابية محكمة حكيمة بيانها كما يلي:-
{ 1 }
{ مّن عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها
وما ربّك بظلاّم للعبيد }
[46 فصّلت]
{ 2 }
{ فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرّة شرّاً يره }
[8 الزّلزلة]
{ 3 }
{ من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها
ومن جاء بالسيئة فلا يُجزى إلاّ مثلها
وهم لا يُظلمون }
[160 الأنعام]
{ 4 }
{ وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل
إن الحسنات يذهبن السّيّئات
ذلك ذكرى للذاكرين }
[114 هود]
{ 5 }
{ مّثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله
كمثل حبة أنبتت سبع سنابل
في كل سنبلة مائة حبة
والله يضاعف لمن يشاء
والله واسع عليم }
]261 البقرة]
{ 6 }
{ فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتاً حسناً وكفّلها زكريا
كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً
قال يا مريم أنى لك هذا
قالت هو من عند الله
إن الله يرزق من يشاء بغير حساب }
[37 آل عمران]
ولعله واضحاً أن هذه المعادلات لها:
بسط + { إيجابي }
ولها مقام - { سالب }
{ هذا بلغة الحساب الصرفة }
قانون التطبيق في البسط الإيجابي هو
أن القيمة الواحدة من الخير تساوي عشرة أمثال.
وقد تساوي سبعمائة.
وقد تساوي قدراً بغير حساب.
أما قانون التطبيق في المقام السالب فإن
القيمة الواحدة من الشر تساوي واحدة مثلها فقط.
هذا هو قانون العدل الإلهي الذي يقوم على المحبة المطلقة. و هو الذي قام به وعليه الأمر من الواحد الأحد الصمد الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم.
النتيجة الحتمية عند حل جميع المعادلات المقضية والمقدرة وفق هذا القانون وفي جميع الأحوال تكون نتيجة بقيمة إيجابية من الخير. وهذا من معانى الآية الكريمة:
{ كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام }
[27 الرحمن ]
وهنا يمكن مقاربة الوصول لجواب السؤال السابق. فوجه {الله} تبارك وتعالى هو هذا الخير المطلق الذي لا يفنى.
{7}
سابعا : أن {الله} سبحانه وتعالى
قضت حكمته وقدر أن يتنزّل بلسان عربي مبين
{ إنّا أنزلناه قرآناً عربيّاً
لعلكم تعقلون }
[2 يوسف ]
وقال العزيز الحكيـم :
{ حم * والكتاب المبين *
إنّا جعلناه قرآنا عربيّا لعلكم تعقلون *
وإنّه في أمّ الكتاب لدينا لعليّ حكيم }
[4 الزخرف]
لغة القرآن لم تُجعل عربيّة عبثاً أو خبط عشواء تعالى {الله} عن ذلك علواً كبيرا . وطالما أن محمد بن عبد {الله} صلى {الله} عليه وسلم جُعل خاتم الأنبياء ؛ وأن كل الذي أراد {الله} تبارك وتعالى أن يُجليه قولاً قد شُمل بين دفتي المصحف الشريف باللغة العربية الفصحى , فذلك يعني بالضرورة أن البشرية مطلوب منها أن توحّد لسانها وهي على طريق الرجعى إلى الخالق الواحد الأحد :
{ الله لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم لا تأخذه سنة ولا نوم
لّه ما في السّماوات وما في الأرض
من ذا الّذي يشفع عنده إلّا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم
ولا يحيطون بشيء مّن علمه إلّا بما شاء
وسع كرسيّه السّماوات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلىّ العظيم }
[255 البقرة]
قال تبارك وتعالى :
{ شهد الله أنّه لا إله إلاّ هو
والملائكة وأولوا العلم
قائماً بالقسط لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم *
إن الدين عند الله الإسلام
وما اختلف الذين أُوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم من العلم بغيا بينهم
ومن يكفر بآيات الله فإنّ الله سريع الحساب }
[19 آل عمران ]
وقال السلام المؤمن المهيمن تباركت أسماؤه :
{ ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه
وهو في الآخرة لمن الخاسرين }
[85 آل عمران ]
والإسلام هو دين التوحيد الكامل الشامل . ولقد جانب الصواب دعاة الإسلام حين اتجهوا إلى ترجمة القرآن إلى لغات أُخرى ظناً منهم أن في ذلك الهدى للبشرية .
غير أن الحق :
{ إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون }
[2 يوسف ]
وقال سبحانه وتعالى :
{ وكذلك أنزلناه حكماً عربيّاً }
[37 الرعد ]
إنّ البيان والتبيين لا يتأتيان إلا بلسان عربي . ولقد كان الأجدر إرسال البعثات لتعليم الناس لغة القرآن .
ذلك لأن لغـــة القران تقوم على سبعٍ من المثانى.
قال {الله} العالم الأعظم :
{ ولقد آتيناك سبعا مّن المثاني
والقرآن العظيم }
[87الحجر]
فالكلمة الواحدة ؛ بل الحرف الواحد في لغة القرآن, ينطوي على سبع درجات من المعنى في مقابلة النفوس السبع التي أُقيم عليها كيان الإنسان المنفوخة فيه روح {الله}.
فكل حرف وكل كلمة وكل معنى له بسط إيجابي ومقام سالب ؛ وهذا معنى ( مثاني).
قال تعالى:
{ وإذ قال ربّك للملائكة
إنّي خالق بشراً مّن صلصال مّن حمإٍ مّسنون *
فإذا سوّيته ونفخت فيه من رّوحي
فقعوا له ساجدين }
[29 الحجر]
هذه النفوس السبع هي :
1- النفس الأمارة
{ بالسوء }
2- النفس اللوامة 3- النفس الملهمة
4- النفس المطمئنة
5- النفس الراضية 6- النفس المرضية
7- النفس الكاملة
{ الأمارة بالخير }
ولن يتأتى لأي لغة بخلاف اللغة العربية أن تستطيع الإبحار في بحور معاني القران السبع كما يمكن للغة القرآن أن تفعل.
هذا ، وقولاً واحد : لن يتأتى لأي مترجم ، مهما بلغ من العلم بأسرار اللغة وأسرار المعاني وأسرار المعرفة بدين {الله} أن يترجم القران إلى أي لغة أخرى . فاتقوا {الله} واحذروه يا دعاة العلم والمعرفة .
وتذكروا قول الكريم المتعال :
{ إنما يخشى الله من عباده العلماء
إنّ الله عزيز غفور }
[28 فاطر]
وتذكروا قول بعض العلماء الذين قالوا [ و{الله} أنه كلما زاد علمنا ازددنا جهلاً ] ذلك لأن نهاية العلم إنما هي عند {الله} العزيز المتعال بديع السماوات والأرض . وذلك لأن بداية الحرف في لغة القرآن ؛ بل أن بداية النقطة التي سالت فشكلت الحرف : هي من عند {الله}. وهذه النقطة التي سالت فشكلت الحرف قبل أن تُجعل نقطة كانت معنى مكنون في علم {الله} .
وحتى أن هذه اللغة المكرّمة بنزول القرآن بلسانها
عجزت مواعينها
أن تستوعب كل مكنون علم {الله}.
لقد أفصحت عن الذي بمقدور لسان العقل الإنساني أن يدركه . وما لم يكن بالمقدور إدراكه أُشير إليه ببعض الحروف النورانية في مستهل بعض سور القران العظيم : فجعلت :
{ أ ل م } { أ ل م ص } { أ ل ر } { أ ل م ر }
{ ك هـ ي ع ص } { ط هـ } { ط س م } { ط س }
{ ي س } { ص } { ح م } {ع س ق}{ ق } { ن }
ولعلها إشارات إلى ما في { أمّ الكتاب } من علم وحكمة تخطّت مقدرة العقل على إدراكها . وعددها أربعة عشر حرفاً : كلها حروف نورانية ؛ غير أن سبعاً منها أكثر نوراً ؛ وكأنها منازل القمر سبعاً فسبع يكتمل في قمتها بدراً مكتمل الضياء :
{ وتلك الأمثال نضربها للنّاس
لعلّهم يتفكّرون }
[21الحشر] ))
{إنتهى}
الشاهد أن العقائد أو المعتقدات ليست مهيمنة على كل العلم المكنون في الأمر الذي يُعتقد فيه. فالعلم هو علم {الله} تباركت أسماؤه أما ما دونه فالقول الحق فيه أنه :
{نرفع درجاتٍ من نشاء وفوق كلِّ ذي علمٍ عليم}
[76 يوسف}
والدليل على صحة ما ورد أعلاه هو قول النبي محمد عليه وآله أفضل الصلاة وأتم التسليم:
( نحن معاشر الأنبياء أُمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم)
وسند صحة هذا الحديث الشريف قول {الله} تبارك وتعالى:
{ لا يُكلّف الله نفساً إلا وسعها
لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت }
[286 البقرة]
البيان والتبيّن :
قال {الله} تبارك العليّ العليم الحكيم:
{ بالبيّنات والزُّبُر وأنزلنا إليك الذكر
لتبيّن للناس ما نُزِّل إليهم ولعلّهم يتفكرون}
[44 النحل]
في هذه الآية الكريمة يختلف معنى الإنزال عن معنى التنزيل.فالإنزال قد تم للذكر كله.ويعني ذلك أن كل ما أراد {الله} تبارك وتعالى أن يخاطب به خلقه أنزله كله جملةً وتفصيلاً في كتاب مقدّسٍ واحد خاتم هو المصحف كتاب القرآن الكريم. وبذلك تم ختم النبوّة المشرّفة.
{ مّا كان محمدٌ أبا أحدٍ مّن رّجالكم
ولكن رسول الله وخاتم النبيّن
وكان الله بكلّ شيء عليما }
[40 الأحزاب]
وبإنزال القرآن العظيم وختم النبوّة المشرّفة قد تمّ البيان وأُودع علم {الله} تبارك وتعالى في قوالب اللغة العربيّة ما وسعت منه مواعين حروفها. وما عجزت عنه أُشير إليه بالحروف في مقدمات بعض السور المباركة فكانت :
{ أ ل م } { أ ل م ص } { أ ل ر } { أ ل م ر }
{ ك هـ ي ع ص } { ط هـ } { ط س م } { ط س }
{ ي س } { ص } { ح م } {ع س ق}{ ق } { ن }
ولعل أنه يمكن القول بأن ما لم تسعه مواعين اللغة ،وأشير إليه بالحرف، هو أعظم بما لا يقاس من الذي أظهرته الحروف. هناك هي أم الكتاب وما فيها هو عليّ حكيم :
{ حم*والكتاب المبين*
إنّا جعلناه قرآناً عربيّاً لّعلّكم تعقلون*
وإنه في أم الكتاب لدينا لعليٌّ حكيم}
[4 الزخرف]
كان هذا عن مسألة البيان للذكر الحكيم الذي هو جملة محتوى تبليغ الرسالة :
{ يا أيّها الرسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربّك
وإن لّم تفعل فما بلّغت رسالته
والله يعصمك من الناس
إن الله لا يهدي القوم الكافرين}
[67 المائدة]
فالرسول محمد عليه وآله أفضل الصلاة وأتم التسليم أُمر أن يُبلّغ القرآن كلماتٍ تامّات ولم يُؤمر بشرحه وتفسيره وتبيينه كله في جملته وتفاصيله باعتباره كلام {الله} العلي القدير.أما القدر الذي بيّنه منه فكان محكوماً بقدر قدرة المخاطبين على الفهم والتطبيق.وعن هذا قال عليه وآله أفضل الصلاة وأتم التسليم:
( نحن معاشر الأنبياء أُمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم)
ولقد ندبهم إلى مزيدٍ من العلم ومزيدٍ من المعرفة وبالتالي إلى مزيدٍ من التطبيق. وما ندبهم إلى ذلك إلا بلسان حاله قبل لسان مقاله. قالت عنه الحميراء ريحانة فؤاده في الدنيا ورَوْحَ رياحينه في الآخرة أم المؤمنين عائشة رضي {الله} عنها وأرضاها قالت : ( كان خُلُقه القرآن). أما هو عليه وآله أفضل الصلاة وأتم التسليم قد قال عنها ( خُذُوا نصف دينكم عن هذه الحميراء) وهي هي رضي {الله} عنها من لم يكن يخاطبها سيدنا علي كرّم {الله} وجهه ورضي عنه وأرضاه إلا بقوله (أُمّاه) .
التبيّن لا زال وما يزال وما ينفكّ تجري به مقادير إرادة {الله} العلي القدير إلى ما شاء {الله} عندما تُنصب موازين الحساب وحينها :
{ وكلَّ إنسانٍ ألزمناه طائرَهُ في عُنُقِه
ونُخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشورا*
اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا*
من اهتدى فإنّما يهتدي لنفسه
ومن ضلّ فإنّما يضل عليها
ولا تزر وازرة وزر أخرى
وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}
[15 للإسراء]
التبيّن لكلام {الله} العزيز الحكيم لا ينتهي عند منتهى، وإنما هو مستمرّ التجلي تتكشّف درر مكنوناته على قدر العقول لأهل الدنيا في الدنيا ولأهل النار في النار ولأهل الجنّة في الجنّة ثمّ أنه إلى {الله} المصير حين لا حين وحيث لا حيث.
والرجل المبجّل عليه السلام من سيأتي في آخر الزمان ليملأ الأرض عدلاً بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً ، إنما يأتي لا لينقض الناموس إنما يأتي ليكمّل. هو يأتي ليُحَكِّم القانون يستمدّ دستوريته من القرآن العظيم. سوف يأتي ليرفع التشريع إلى قمّة السنة النبويّة المشرفة . هو عليه السلام يأتي قائداً لمركب الحرية والكرامة رافعاً شعار { لا إكراه في الدين } { ذكّر إنما أنت مذكّر لست عليهم بمسيطر} { أدع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}.
وهو من ثمّ سيكسر صليب التعارض في نفوس وعقول البشر وسيقتل خنزير الخصال الدنيا الدنيئة ،وعندها يتطاول البشر إلى مصاف الإنسانية.
هو يأتي ليصحح عقائد الناس ومعتقداتهم . سيأتي ليرفع راية التوحيد ويدافع عن عرض وشرف النبي وآله عائشة وحفصة رضي {الله} عنهما فعليه وآله أفضل الصلاة وأتم التسليم.
هو سيأتي ليدفع الأذى بعيداً عن المرضي عنهم المبشرين بالجنة أصحاب رسول {الله} عليه وآله أفضل الصلاة وأتم التسليم : أبا بكرٍ الصديق { ثاني إثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا }[ 40 التوبة]،وعمر وعثمان وعلي رضي {الله} عنهم جميعاً وأرضاهم.
وهو عندما يأتي سوف لا يكون قتالٌ بسيفٍ وإنما هو الجهاد الأكبر : الدعوة بالتي هي أحسن وإجراء التغيير على سنن البشر بالفكر المستنير والمنطق القائم على موازين الحق والعدل.
أما ما جاء عن قتله الدجّال بالسيف فليس حرباً وإنما بالسيف القاطع للرأس حدّاً.وذلك لأن قوانين الحدود والقصاص هي من أصل التشريع الدستوري وهي لا تُطبّق إلا في دولة السلام القائمة على موازين الحق والعدل. عندئذٍ سيقام الحد على الدجال وعلى كل من تجرأ وقذف في عِرض رسول {الله} عليه وآله أفضل الصلاة وأتم التسليم.
والسؤال الذي بات ملحّاً هو :فمن هو هذا النور الذي يأتي ضوءاً يبدد ظلام الدنيا ويزيد في أنوار الآخرة ؟.
المهدي المنتظر:
هل هو المهدي الرسول عليه الصلاة والسلام؟
أم أنه المهدي الإمام رضي {الله} عنه؟
أنزل {الله} الرحمن الرحيم في الذكر الحكيم على لسان سيدنا عيسى عليه السلام قائلاً:
{ وإذ قال عيسى بن مريم
يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم
مصدّقاً لما بين يديّ مّن التوراة
ومبشّراً برسولٍ يأتي من بعدي اسمه أحمد
فلما جاءهم بالبيّنات قالوا هذا سحر مبين}
[6 الصف ]
لم يقل سيدنا عيسى عليه السلام: (1)= رسول يأتي بعدي وإنما قال (2)={ رسول يأتي من بعدي}
العبارة الأولى تفيد البعدية المباشرة . أما العبارة الثانية وهي التي وردت في الآية إنما تفيد البعدية غير المباشرة.
والسؤال: هل جاء الرسول أحمد عليه السلام في البعديّة المباشرة ؟ .. أم أن الذي جاء مباشرة بعد عيسى عليه السلام هو الرسول محمد عليه وآله أفضل الصلاة وأتم السلام. أما الرسول أحمد عليه السلام فهو لمّا يأت بعد . وهو عليه السلام ،قولاً واحداً ،سيأتي في البعديّة غير المباشرة. أما محمد عليه وآله أفضل الصلاة وأتم السلام فقد جاء نبيّاً مرسلاً خاتماً للنبوّة المشرّفة فلا نبيّ يأتي من بعده.
ولأنه عليه وآله الصلاة والسلام قد ختم النبوّة المشرّفة فقد ختم الرسالة أيضاً فلا رسول غيره يأتي من بعده. وذلك لأن ما من رسولٍ يُرسله {الله} عزّ وجلّ إلا وقد نبأه أولاً أي جعله نبيّاً. فكل رسولٍ لابدّ أن يكون نبيّاً ، وبطبيعة الحال ليس بالضرورة أن يكون كل نبيّ رسولاً .
إذن فالمهديّ المنتظر رسول آخر الزمان عليه الصلاة والسلام هو ليس غير محمد نفسه عليه الصلاة والسلام. فكيف هذا ؟!!
خاطب {الله} ربّ العزّة والجلال والجمال والكمال نبيّه محمد عليه وآله أفضل الصلاة وأتم السلام قائلاً له :
{ ومن الليل فتهجّد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربّك مقاماً محموداً }
[79 الإسراء]
ولقد فهم النبي محمد عليه وآله أفضل الصلاة وأتم السلام أن المقام المحمود لمّا يتحقق له بعد وأن عليه أن يجتهد في طلبه ولعل هذا ما جعله صلى {الله} عليه وآله وسلم يُصلّي قائماً ليلاً طويلاً حتى تتورّم قدماه. ولعله ما جعله صلى {الله} عليه وآله يطلب من أمّته أن يسألوا له {الله} مقام الوسيلة.
وبإسناد الأمر ومقارنته بالآية الكريمة المذكورة يُفهم أن مقام الوسيلة هو المقام المحمود الذي وُعد به صلى {الله} عليه وآله وسلم.
المقام المحمود
هذا المقام الجليل الذي ينتظر كلّ من في السماوات والأرض وفيما بينهما ، أن يُبعث فيه النبي محمد عليه وآله أفضل الصلاة وأتمّ السلام،وهو الذي لمّا يأت بعد هو مقامٌ أوّل عتبات قاعدته الهدى. وفيه يحقق الرسول محمد عليه وآله أفضل الصلاة وأتمّ السلام مقام المهدي.فيكون هو محمد الرسول المهدي المنتظر عليه الصلاة والسلام. فيؤذّن في الناس أن حيا على الصلاح حيا على الفلاح حيا على صلة الأرحام وأن يحب أحدكم لأخيه ما يحب لنفسه. وسيقيم دولة السلام القائمة على دستور القرآن والسنة وفق موازين الحرية والكرامة بمقاييس الحق والعدل.
وهو عليه الصلاة والسلام في هذا المعترك يكون هو أيضاً مترقّباً منتظراً تحقيق وعد {الله} له بالنصر المبين. وسيكون ذلك عندما يتحقق عنده الاستواء على قمّة المقام المحمود وهي درجة العيسويّة العظيمة ومقام الوسيلة المثل الذي لا مثيل له: هنا يكون اسمه أحمد عليه الصلاة والسلام وهو الذي بشّر به سيدنا عيسى عليه السلام.
وما أن يتحقق لمحمد بن عبد {الله} النبيّ عليه وآله أفضل الصلاة وأتم التسليم، أن يستوي على مقام الوسيلة هذا حتى يبرز من عترته من آل بيته المشرّف بالنبوّة رجلٌ يُصلحه {الله} في ليلة يكون نائباً له وخليفته حين يرحل إلى الأمجاد السماوية وإماماً للناس فيكون من ثمّ هو الإمام المهدي رضي {الله} عنه.
والسؤال : من أين يجيء هذا الفهم؟!!!
قال {الله} تبارك وتعالى في محكم التنزيل:
{ إنا فتحنا لك فتحاً مُّبيناً *
ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر
ويُتِمَّ نعمته عليك ويَهدِيَك صِراطاً مُستقيماً *
وينصرك الله نصراً عزيزا}
[ 3 الفتح]
في هذه الآيات البيّنات الواردة في صدر سورة الفتح العظيمة ثلاثة مقامات شريفة :
1- مقام محمد النبي عليه وآله أفضل الصلاة وأتم التسليم وقد استوى على مقام الفتح المبين ليُغْفَرَ له ما تقدم من الذنب وما تأخر.
وهنا تسأله أم المؤمنين عائشة رضي {الله} عنها وأرضاها ، وقد رأته يجاهد بالصلاة قائماً حتى تورّمت قدماه الشريفتين
أو لم يغفر {الله} لك ما تقدم من الذنب وما تأخر!) فيرد عليها صلى {الله} عليه وآله وسلم قائلاً : ( أفلا أكون عبداً شكورا )
2- مقام محمد الرسول عليه وآله أفضل الصلاو وأتم التسليم وهو الذي يُتِمُّ {الله} نعمته عليه ويهديه صراطاً مستقيما. ( لاحظ أن: يتم ويهدي :أفعال مضارعة بينما كان الأول: فتحنا لك)
هذا هو أول عتبات قاعدة المقام المحمود : تمام نعمة الإستواء على مقام الهداية . وهو مقام محمد الرسول المهدي المنتظر تتمّ له النعمة فيستوي على مقام الهداية صراطاً مستقيما.
3- ويأتي النصر العزيز لا يتأخر ويفهم ذلك من العطف بالواو . فالعطف ما جاء بالفاء
( البعدية المباشرة) كما في {كن فيكون} . ولم يكن العطف ب (ثمّ) التي تفيد التراخي في الزمن كما في { ثمّ أنشأناه خلقاً آخر}.
هذا النصر الذي سيتحقق موصوفٌ بأنه {عزيز} ومعنى العزيز هو الذي لا يُقهر وهذا هو المقام المحمود في قمّته وهو مقام الوسيلة وهو المقام السامي الذي ليس بينه وبين {الله} عزّ وجلّ إلا الرحمن.
فمن هو الرحمن:
{الرحمن * علّمَ القرآن * خَلَق الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ البَيَانَ}
[ 4 الرحمن]
{الله} الذي لا إله إلا هو له الخلق والأمر تبارك أحسن الخالقين علّم القرآن وخلق الإنسان وعلمه البيان باسمه الرحمن. فالرحمن هو موطن أول الخلق والعود الأحمد يكون إليه.
{إنّ إلى ربّك الرّجعى}
[8 العلق]
فكيف تكون الرجعى؟
{ يوم نطوي السماء كطيّ السِّجِلِ للكتب
كما بدأنا أوّل خلقٍ نُعيدُهُ
وعداً علينا إنّا كنّا فاعلين}
[104 الأنبياء]
سأل الصحابي الجليل جابر بن عبد {الله} الأنصاري رضي {الله} عنه :- بأبي أنت وأمي يا رسول {الله} ما أوّل ما خلق {الله}؟
أجاب النبيّ عليه وآله أفضل الصلاة وأتم التسليم :
( أول ما خلق {الله} نور نبيّك يا جابر)
محمّدٌ على وزن مفعّل تعني أنه صلى {الله} عليه وآله وسلم مفعّلٌ بالحمد. والحمد هو أول عتبات الدخول للحضرة الإلهية المعظمة وهو مفتاح أول أبواب الرحمة في طريق الرجعى إلى من إليه جميع الخلق راجعون.
{بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله ربّ العالمين * الرحمن الرحيم}
ومحمد عليه أفضل الصلاة والسلام هو أولهم وهو آخرهم وهو هو سيد كل ما بين أولهم وآخرهم.
وكما بدأ أول الخلق بمحمد عليه الصلاة والسلام يعود به والعود يكون أحمد على وزن أفعل.
يتبع ( البيان الثالث)